غادة نجارأسرار المادة والكون لن تكون لغزاً في المستقبل القريب، أمس تم تشغيل اكبر نظام لتسريع الجزيئات في العالم أمس قرب جنيف بهدف كشف هذه الأسرار. وهذه التقنية ستمكن العلماء من فتح باب مستقبل جديد بقوانينه أمام البشرية جمعاء، إنها الـ Le Large Hadron Collider او LHC «نظام تسريع تصادم الجزيئات»، وهي أكبر مسرّع للجزيئات في العالم. هذه الآلة الموجودة قرب جنيف على عمق نحو 100 متر تحت سطح الأرض، والتي تتموضع داخل نفق على شكل خاتم، ويبلغ قطرها 27 كلم بدأت عملها أمس.
إذاً تستقبل الـ LHC مجموعات من البروتونات Protons والأيونات الثقيلة Ions lourds لتتسارع تدريجياً داخل حلقاته حتى تصل حركتها إلى سرعة تبلغ 99.99% من سرعة الضوء، فتتصادم في ما بينها في جوّ مفرغ Ultravide، وتعيد بذلك خلق الجزء من اللحظة الذي تلى الانفجار الكبير، أي الـ Big Bang الذي وقع منذ 13.7 مليار سنة، وخلق العالم الذي نعرفه اليوم حسب العلماء. إن الطاقة الضخمة التي يولّدها هذا التصادم لن تحدث فوراً بل سوف تنمو تدريجياً مع استمرار حركة البروتونات، لذا لا يتوقع العلماء الحصول على بداية النتائج قبل شهر من انطلاق التجربة، إذا جرى كل شيء حسب الخطة المرسومة. لقد طرح هذا المشروع الضخم الكثير من الأسئلة لدى مجموعة من العلماء عن المخاطر الكبيرة التي ترافق عادة هذا الكم من الطاقة في حال حدوث أي خلل، لكن المدير العام لمركز CERN حيث جرى التحضير لهذا المشروع روبير أيمار ومدير المشروع لين أيفانس أكدا أن جميع الاحتياطات والإجراءات الوقائية قد اتخذت من أجل ضمان سلامة العملية، وأن ذلك كان أحد الأسباب التي جعلت طاقم العلماء يؤجل مباشرة تشغيل الـ LHC من عام 2007 حتى أيلول 2008. ماذا سيقدم مسرّع الجزيئات هذا إلى العلم؟ يأمل العلماء أن يتمكنوا في أواخر 2008 من جمع ما يكفي من المعطيات من الـ LHC لكي يحصلوا على المادة La Matiere، كما كانت عندما تكوّن العالم بعد الانفجار الكبير، أي في حالات نجهلها اليوم تماماً. ويأملون الحصول على معطيات عن اللامادة antimatiere التي تؤكد الكثير من النظريات الفيريائية أن كميتها في الكون يجب أن تعادل كمية المادة المحسوسة، لكن لم يتمكن أحد حتى يومنا هذا من فهم ماهيتها بشكل قاطع أو تأكيد وجودها عملياً.
من جهة أخرى، يأمل العلماء أن تسمح لهم عملية إعادة خلق اللحظة التي تلت ولادة الكون من دراسة المادة السوداء La matiere noire والطاقة المظلمة L energie Sombre اللتين تمثّلان 96% من الكون، ويُرجّح تحكمهما بعمر النجوم وتشكّل المجرات ونهاية حياة الكثير من هذه الأخيرة.
يدرك علماء البيولوجيا أن لهم حصة كبيرة من نتائج هذه التجربة، حيث باتوا منذ فترة طويلة يستخدمون الكثير من تقنيات علم الـ Astroparticule وقواعده، الذي يدرس ولادة النجوم والمجرات والكون على مستوى الجزيئة، وذلك في دراسة الجينوم البشري أي طاقم الموروثات الذي يخضع على ما يبدو إلى الكثير من القوانين التي اتضح أنها مشتركة بين العالم المتناهي الصغر أي أجزاء الذرة والعالم المتناهي الكبر أي الكون. إن ما ذكرناه حتى الآن يطرح الأهداف والنتائج الكبيرة المتوخاة من هذا الإنجاز العلمي الضخم، لكن لا تجوز الاستهانة بالكم الهائل من التقنيات التفصيلية التي ستتفرع منه والتي سوف تساهم كثيراً في تطوير الخدمات الطبية والغذائية والتكنولوجية في حياتنا اليومية، تماماً كما حصل بنتيجة التسابق المحموم في القرن الماضي من أجل غزو الفضاء. إذاً يدغدغ هذا الاختراع أحلام الكثير من العلماء لا بل الفلاسفة القدماء والجدد في أن يتمكنوا أخيراً من الإجابة عن مجموعة من الأسئلة بقي العلم في جميع فروعه عاجزاً عن إعطاء إجابات وافية وقاطعة لها حتى يومنا هذا.