هاني نعيمصرّح أحد ورثة حزب الكتائب اللبنانية: «حزبنا هو أب لكل الأحزاب المسيحية، منا خرجت وستعود إلينا». كان حازماً في القرار والتنبّؤ. إنّها حتميّة أخرى تضاف إلى مجموع الحتميّات الفلسفيّة التي وضعها العقل الإنساني.
أعادني هذا التصريح، إلى حديث سابق مع أحد الناشطين في حركة «أمل». في حينها أطلق «حتميّة» في وجهي، تشبه كثيراً كلام «الوريث الشرعي» الوارد أعلاه. قائلاً «حزب الله خرج من رحم حركة أمل، وإليها يعود». وحسب تحليله السياسي، يعتقد أو أُريد له ذلك «حزب الله عاد إلى الرحم الذي خرج منه». والحتميّة ــ التمنّي ذاتها تجتاح تيّارات وأحزاباً أخرى غير طائفيّة. منها الحزب الشيوعي اللبناني.
في هذا الصدد، لا بد من الإشارة إلى عدد من الملاحظات: الحياة الحزبية ليست إلّا صورة مصغّرة عن المجتمع. وبما أنّ التشرذم السياسي ــ الطائفي أحد أبرز صفات مجتمعنا، بالتالي لن نحصد إلّا مجموعات سياسيّة مشرذمة بتعدد الاتجاهات السياسية، ما يعني أحزاب لا تعد ولا تحصى. والانشقاقات تعدّ أبرز سمات الأحزاب اللبنانية، وخصوصاً في وقت الأزمات السياسية والأمنية والعسكرية. هذا في الصورة العامّة للمشهد. أما ظروف وشكل الانشقاق داخل كل حزب أو تيّار، فهو يختلف بين حزب وآخر، وذلك حسب اعتبارات موضوعية خاصة بكل حزب. ولنأخذ الأحزاب الواردة أعلاه، مثالاً لا حصراً. أثناء الحرب الأهليّة (1975 ـــ 1990)، انشقّ العديد من الأحزاب نتيجة ظروف حربيّة وسياسية واجتماعية من رحم أحزاب أخرى. منها القوات اللبنانية التي انبثقت من الكتائب. كذلك استطاعت القوات من خلال خوض المعارك الداخلية إثبات وجودها ككيان مستقل عن الكتائب، واحتكار البندقيّة المسيحية في مواجهة «الاحتلال السوري والفلسطيني» و«الغريب». «حزب الله» انبثق من حركة أمل. ونجح كالقوات اللبنانية في إثبات وجوده في معارك قتاليّة مع «أمل» والجيش السوري.
والجدير ذكره، أنّ عشرات التنظيمات قد نشأت خلال فترة الحرب، منها ما زال مستمرّاً ومنها انتهى مع انتهاء الحرب. أما في خصوص المجموعات اليسارية المنشقّة عن الحزب الشيوعي اللبناني: فأدّى سقوط «البوصلة السوفياتية» الموجّهة، دوراً كبيراً في ضعف مركزيّة الحزب. وبعض من هذه المجموعات استطاعت إثبات وجودها واكتساب بالتالي كيانها السياسي وهويتها «اليسارية» المستقلة عن الحزب الشيوعي.
إضافةً إلى أسباب الأزمات في إحداث الانشقاقات الداخلية للأحزاب، فللتجديد أسباب في انشقاق الأحزاب. حيث إن العنصر الشبابي، وبهدف تغيير واقع «الحزب» يلجأ إلى خلق جوّ جديد داخل التنظيم، وغالباً ما تفشل قيادات «الحرس القديم» من استيعابه. عندها يحصل الانشقاق. والجدير ذكره، أنّ بروز الحالات الشبابية الإصلاحيّة داخل الأحزاب نادراً ما يحدث في الأحزاب ذات الصبغة الطائفية. إنّ مجتمعاً ممزّقاً بين هويّات تتنازعه، لن يفرز إلّا «شرذمات» سياسيّة تشبهه. الأحزاب المنبثقة من رحم أحزاب أخرى تحوّلت إلى واقع سياسي قائم بذاته. وطبعاً لن تعود إلى حيث خرجت. والواقعي أكثر، أننا سنشهد في الفصول والاستحقاقات السياسية الآتية، أحزاباً وتيارات منشقّة عن الأحزاب الموجودة بما فيها الأحزاب «المنشقّة» حتى. وليتوقّف بعض الصبيانيين عن «الأحلام» في عالم السياسة. أغلب الأحزاب اللبنانية هي عبارة عن روابط عائليّة وتجمعات عشائرية طائفية تغلب فيها سلطة الإقطاع الديني والطائفي. وبالتالي، نحن ليس لدينا نظام حزبي متعدد. لدينا شراذم، نطلق عليها تجميلاً صفة الأحزاب.