يسهل تفهّم العدد الكبير من المخالفات التي تلقّاها المواطنون خلال «حملة» التشدد في تطبيق قانون السير، فهم غير معتادين على الالتزام بالقانون. إلا أن ما يصعب فهمه، هو تجاوزات «عناصر الأمن» أنفسهم، فهل تشملهم الحملة؟
أحمد محسن
لا تزال بعض سيارات قوى الأمن الداخلي تحتفظ بالزجاج العازل، أو «الفيميه» كما يعرّف عنه اللبنانيون. وتسمح هذه الحالة للناس بإطلاق الشائعات، عمّا يجري داخل هذه السيارات، لكونهم ممنوعون من رؤية ما بداخلها. وأبرز هذه الحالات ما حدث أثناء الامتحانات الرسمية أمام إحدى المدارس في بيروت، حيث اصطفت سيارتان أميريّتان أمام البوابة تماماً. أثار دخول أحد عناصر الأمن إلى الصفوف وخروجه منها حفيظة المراقب العام، لأن رجل الأمن كان يعود إلى إحدى هاتين السيارتين، المغّلفة بغطاء عازل. أبدى المراقب استياءه لمسؤول الدورية بلطف، ما هدّأ الأمور فلم يعد الشرطي إلى داخل المدرسة. لا يمكن اتّهام القوى الأمنية بالمساعدة على عملية غش، لكن يصعب إيقاف الشائعات التي تدور كلما توجّهت عيون المواطنين إلى «زجاجٍ عازل».
لا يتوقف الأمر على الزجاج العازل، بل يتخطى ذلك. يشكو مواطنون كثيراً من طريقة قيادة عناصر الـ112، وخصوصاً في محلة عين المريسة، بالقرب من الكورنيش البحري، حيث يكتظّ المتنزهون. فمع ساعات الفجر الأولى، تخف حركة السير على الأوتوستراد البحري، وتغرّد الدوريات على راحتها، وتصبح طريقة قيادة بعضها جنونية، كما يصفها أحد «بائعي الفول» على الرصيف. وطريقة القيادة ليست السبب الوحيد لانتقاداته، فهم «يأخذون ما يريدون ولا يدفعون»، يقول البائع بألم، وهو أمر يشكو منه أغلب البائعين في المنطقة. وهناك صورة نمطية عالقة في أذهان البائعين: «الدرك لا يدفعون أثناء دوام خدمتهم»، كما جاء على لسان عاملين في عدد من المحال التجارية في شارع بلس ـــــ الحمرا على سبيل المثال. إلا أن ذلك لا يحجب أن أصحاب بعض المؤسسات التجارية لا يتورّعون عن جذب رجال الأمن عبر تقديم «الهدايا» المجانية لهم، لتسهيل وقوف السيارات أمام «أبواب رزقهم».
ومن ناحية أخرى، تتلخص أحاديث المواطنين العاديين في هذا الصدد، بجملةٍ واحدة: «رجال الأمن مزاجيون وانتقائيون». وعلى سبيل المثال، تتّهم سارة شعبان أحدهم بتحرير مخالفة لها عمداً. فذات مرة ركنت سيارتها أمام مبنى في فردان، على مرأى من الشرطي، «الذي لم يعترض»، وحين عودتها بعد دقائق وجدت ضبط مخالفة. تؤكد سارة أن الشرطي رآها وانتظرها لتركن السيارة ثم حرر المخالفة من دون أن يخبرها أن «الوقوف ممنوع».
وللدرك خصوصيّتهم في ما بينهم أيضاً، فهم يتساهلون مع «أبناء السلك»، في تطبيق القانون. يروي ناصر قاسم كيف تخلّص ذات مرة من حاجز «طيّار»، بالقرب من مستديرة الطيّونة، حيث كان مع صديقه الشرطي على دراجة نارية غير مسجّلة قانوناً، وبالطبع لم يكن يضع خوذة واقية، أو يملك رخصة سوق. لكن بطاقة صديقه التي تثبت أنه عنصر في سلك الأمن، أنقذت الموقف على الفور. يدّعي ناصر أن مسؤول الدورية ابتسم لصديقه وربّت كتفه، وسمح لهما بالمرور.
من ناحية أخرى، وكما يفرض القانون غرامة على من يستخدم الهاتف الخلوي أثناء قيادته السيارة، تمنع تعليمات الأمن الداخلي على رجال الشرطة التحدّث عبر هواتفهم أثناء العمل. إلا أن ذلك لا يُطَبّق جديّاً، بحسب سائق باص يعمل بين بيروت والضاحية. فعلى أحد التقاطعات المهمة في ساحل المتن الجنوبي، يشير الشرطي لجهةٍ ما بالمرور، ويوقف أخرى، أي يقوم بعمله على أكمل وجه. لكنه ما يلبث أن يسحب هاتفه النقّال من جيبه، ويسترسل في الحديث، غير آبه بتشابك خطوط السير وبالأبواق التي تنطلق من كل حدبٍ وصوب. ينهي الشرطي محادثته الدافئة، ثم يعبس مجدداً، كأنه عاد إلى العمل للتوّ. تسكت الأبواق، وتهرع السيارات بسرعة إلى الجهة المقابلة، قبل أن يرن هاتف الشرطي من جديد. وفضلاً عن ذلك، يحكي سائقو باصات عن تقاطعات تفرغ من شرطييها أحياناً، وعن شرطيين ينهون دوامهم قبل أوانه. وأبرز ما يعلّق عليه سائقون تحدّثوا لـ«الأخبار» هو مظهر رجال الشرطة. فبعض هؤلاء يظهرون في الأزقّة الداخلية لمناطق شعبية، بـ«نصف لباس رسمي»، كبنطال وحذاء عسكريين وتي شيرت «مدنية»، كتلك التي يرتديها أحدهم دائماً في تحويطة الغدير، ومرسوم عليها هيكل عظمي. والدركي ذاته، كرفاقٍ كثيرين له داخل الضواحي يقود دراجة نارية غير مرمّزة وبلا خوذة، مرتدياً حينها «البزة الرسمية كاملة».


«المعلومات» بـ200 دولار؟

تقترب السيارة السوداء من حاجز القوى الأمنية في مدينة صيدا. يطلب العنصر على الحاجز أوراق السيارة ورخصة القيادة، فيشهر س. أ. من محفظته بطاقة بيضاء ذات خط أزرق في الأعلى، صادرة عن «شعبة» المعلومات في قوى الأمن الداخلي. يؤدي العنصر تحية عسكرية على الفور، ويطلب منه المرور من دون البحث في أيّ من الأوراق. وفي الحقيقة، يعترف س. أ. بأنه لا ينتمي إلى قوى الأمن الداخلي، لكنه يباهي ببطاقته بين الشبّان من رفاقه. «ثمة من أمّنها له»، لكنه يرفض الحديث عن الموضوع بجدية. «كلّفت مئتي دولار»، يقول مبتسماً.