حاصبيا ــ عساف أبورحالمنذ عقود قليلة، لم تكن المرأة الريفية تنتظر فرص التعليم للنزول إلى ميدان العمل، تخوض عراكاً مع الحياة إلى جانب شريكها. كان دورها في توفير المعيشة، بارزاً ومؤثراً في حياة العائلة وتطوّرها اللاحق. غالبية نساء القرى كن قنوعات بحياتهن. لم يتعرّفن إلى حقوقهن، ولم يسألن أنفسهن يوماً عما إذا كان بإمكانهن اختيار حياة أفضل. عشن حياتهن في حقولهن يزرعن ويحصدن ويبحثن عن طرق مختلفة لتصريف المحصول، سواء ببيعه نضراً أو تحويله لمؤونة يبعنها إلى القرى القريبة أو المدن.
هؤلاء النسوة لم يشعرن يوماً بأن عملهن «عيب» بل اعتززن به. كافحن الفقر لتربية أولادهن بشكل مختلف عما تربّين عليه.
«الموسم جيد وأسعار الحليب ومشتقاته مرتفعة». هذا ما تقوله سهام حمدان، أم أسعد، من بلدة شبعا. أم لتسعة أولاد، يعمل زوجها في رعي 300 رأس ماعز، يعاونه أولاده الذين أحبوا هذه المهنة على حساب متابعة الدراسة. تزوجت أم أسعد وكانت في الـ15 من عمرها، متألمة لأن أولادها تركوا الدراسة بحجة مساعدتها في تربية «الطرش».
تشتري كل أسبوع كمية من الحليب بمبلغ 600 ألف ليرة، لصنع اللبنة حيث الطلب مرتفع والأسعار جيدة، ما يؤمن ربحاً قدره 200 ألف ليرة أسبوعياً، فيما تبيع الحليب وتدخّر ثمنه كاملاً تحسباً للشتاء حيث تتوقّف جميع الأعمال. يبدأ يومها في الخامسة فجراً بتفوير الحليب وترويبه ثم «دعك» اللبنة الموضوعة في أكياس من القماش. وإذا أردت شراء اللبنة عليك حجز موعد، لأن الطلب مرتفع جداً مع قدوم المصطافين. وتتذكر أم أسعد كيف كانت حماتها تروي لها عن مزارعات كن ينقلن الإنتاج الزراعي إلى البلدة على ظهور البغال أو مشياً على الأقدام ليبادلنه بالسكر والأرز، لأن الدفع بالليرات لم يكن متداولاً. أما اليوم، فتعلمت أم أسعد قيادة السيارة، تجول بها يومياً لتوزيع إنتاجها. أهالي القرى المجاورة يعرفونها جيداً ويحترمون عملها.
في بساتين شبعا وعلى مقربة من الحدود مع المزارع المحتلة، تذهب آمنة دعكور 70 عاماً وشقيقتها صباح كل يوم للعمل وسط البساتين في زراعات خجولة هي عبارة عن مساحة مغروسة بشتول البندورة تفي حاجتهما اليومية، والفائض يصنّع منه رب البندورة. تقول آمنة: «المرأة كانت تشارك زوجها في حراثة الحقول، حينها لم تكن هناك جرّارات زراعية. لدينا بقرة هي معيلنا الوحيد، إضافةً إلى الدجاج البلدي، نساء اليوم لم يعدن يعملن في الأرض، والفتيات تعلمن والعالم تطوّر، لكن أيام زمان كانت حلوة، كنا نتعب كثيراً لكن كنا «مبسوطين».