إعداد: علي شهابويكشف المحلّل العسكري أن الجيش الأميركي كان ممنوعاً من تدريب الجيش الجورجي وفقاً لنظريات الحروب التقليدية بهدف عدم استفزاز الجيش الروسي، مشيراً الى أن التدريب الذي نالته القوات الجورجية اقتصر على مكافحة الإرهاب (المتمرّدين الشيشان في جورجيا) والقوات العاملة في العراق.
والآن، بعدما اجتاحت روسيا جورجيا «لا يمتلك مدربو الجيش الأميركي أي ذريعة لتجهيز الجيش الجورجي بناءً على احتمالات خوض حرب تقليدية. ونظراً إلى حجم القوات الجورجية الصغير، فإن نموذج حزب الله ليس خياراً سيئاً أبداً، ولكن الأمر الوحيد الذي لن يقدر الجيش الأميركي على تزويد الجورجيين به هو الدافع والحافز والنظام».
الخلاصات التي يخرج بها الجيش الأميركي عن حزب الله لا تنتهي عند هذا الحد؛ إذ إنّ الحزب هو أحد «أبرز الجماعات المتمردة التي أتقنت خوض الجيل الرابع من الحروب»، بحسب الدراسة التي وضعها الكولونيل المتقاعد في مشاة البحرية الأميركية توماس هامس.
وهكذا يمكن القول إنّ أسلوب حركات «التمرد»، التعريف الأميركي للمقاومة، ورؤية البنتاغون المستحدثة لأساليب حل النزاعات في العالم مثّلا معاً «الجيل الرابع من الحروب».
أما أبرز التحوّلات التي تدمغ هذا الجيل من الحروب فتتمثّل بـ:
- استخدام حركات «التمرد» جميع البنى المتاحة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وعسكرياً في مواجهة الجيش الكلاسيكي المحتلّ. ويستند هذا التحوّل إلى حدّ كبير إلى اللعب على عنصر المعلومات بهدف تغيير وجهة نظر العدو والصديق.
- التغيّر في تشكيلات حركات التمرد وإيجادها لخلايا عابرة للقوميات والحدود.
في حرب تموز 2006، «لم يكن مقاتلو حزب الله يركّزون على هدف تدمير إسرائيل، ولكن على ضمان أن يُنظر إليهم على أنهم يتحدّون أقوى جيش في الشرق الأوسط»، لذا تتخذ قضية إطلاق حزب الله صواريخ في اليوم الأخير من الحرب بعدد مماثل لليوم الأول «أهمية استثنائية. كان حزب الله يدرك أنّ القذائف الصاروخية من عيار 122 ميلليمتراً لن تسبّب أضراراً كبيرة، إلا أنّ كثافة إطلاقها أثبتت أنّ سلاح الجوّ الإسرائيلي لم يستطع إلحاق ضرر كبير بقوة الحزب».
ويتابع الكولونيل، أنّ حزب الله «أتقن قيمة الاتصالات الاستراتيجية» عند انتهاء الحرب، «ففي الوقت الذي كان الغرب يعقد فيه مؤتمرات لإصدار وعود تتعلق بمساعدة لبنان في المستقبل، قام ممثلو حزب الله بملء الشوارع بالأموال النقدية لمساعدة السكان وتقديم المساعدات المادية. تحرك الحزب بسرعة وحاز مكانة عالية بتحركه هذا، فيما كانت الولايات المتحدة مشغولة بنقل حمولات الأسلحة والذخائر إلى إسرائيل» لتعويض ما نقص في مخازنها. لقد كانت رسالة حزب الله «واضحة جداً، من خلال تأكيد سيطرته على الأرض وتواصله مع السكان. وقد كان التناقض بين تلك الرسالة والفتور المعتاد الذي تظهره الدول العربية تجاه احتياجات شعوبها تناقضاً مذهلاً».
ويتميز حزب الله عن غيره من حركات «التمرد» في كونه يُصنّف ضمن ثلاثة أنواع من الحركات، هي:
ــ الرجعية: التي تنشأ وتتصرف كرد فعل على موقف أو حديث ما. ــ الانتهازية: أي إنها تنتهز الفرصة السياسية أو الاقتصادية من أجل تعزيز قوتها. ــ الأيديولوجية: أي التي تتبنّى هدفاً عقائدياً.
وقد واجهت إسرائيل، في صيف 2006، «عدواً يطبّق ويمارس حرب الجيل الرابع ويستغل أفضل استغلال الأسلحة ذات التقنية العالية من أجل تحدّي التفوق العسكري الإسرائيلي المفترض. وقد تعاونت إيران مع سوريا لتقديم الدعم اللوجستي الواسع النطاق وربما الدعم الاستخباري لقيادة حزب الله». وبما أنّ الولايات المتحدة كانت مشغولة بالبرنامج النووي الإيراني حينها، فقد «كان من الصعب» معالجة أسلوب حزب الله في استخدام حرب الجيل الرابع.
وفي السياق، تشير الدراسة الى أن «دليل الميدان الجديد لمقاومة التمرد»، الذي أصدرته قيادة القوات الأميركية في العراق، يوصي بضابط أمن لكل 50 شخصاً، غير أن «احتضان السكان للمتمردين»، كما في حالة حزب الله، يعيق قدرة الجيش الكلاسيكي على تحقيق أهدافه.
وفي مواجهة هذا الواقع، يخلص هامس إلى أنه «يجب إيجاد طرق جديدة توفّر الأمن اللازم أثناء بناء التحالفات السياسية، وهذا يُعدّ الطريق الوحيد لهزم التمرد. كما يجب تفعيل الموارد الدبلوماسية والاقتصادية والسياسية بشكل أوسع من ذي قبل للتعامل مع الاستخدام الواسع لحرب الجيل الرابع».
وينطلق الكاتب من هذه الحقيقة ليستشرف حدود حروب الجيل الخامس التي ستكون «نتاج التحول المستمر في الولاء السياسي والاجتماعي، حيث سيصبح الولاء للقضايا العقائدية أكثر منه للأوطان. وستتميز هذه الحرب بتزايد قوة الكيانات الأصغر وبانفجار ديناميكي للثورة التقنية. إن حرب الجيل الخامس ستكون حقيقتها حرب شبكات المعلومات، التي ستؤمّن المواد اللازمة وستكون بمثابة ميدان لتجنيد المتطوعين». وتتابع الدراسة أن «الاتجاهات السياسية والاقتصادية والاجتماعية تشير إلى ظهور أفراد أو جماعات صغيرة جرى تزويدها بقوة فائقة. وهذه الجماعات يربطها حب قضية معينة لا الوطن».
ويختم هامس دراسته باختصار المشهد أمام واضعي الرؤى الاستراتيجية العسكرية الأميركية: «إن الحقيقة الرئيسية هي أن التغيّرات في المجال السياسي والاقتصادي والاجتماعي تتيح لأي جماعة صغيرة تتبنى قضية ما استخدام التقنيات الحديثة لتتحدى دولة قومية. وليس في وسعنا رد هذه التحديات ولا منع تطور الحرب. ومن الواضح أن القوات المسلحة الأميركية ليست على استعداد لرد ضربات مجموعات كهذه».
* صحافي لبناني