فساد وانفلات السلاح وحرمان نسبيعمر نشابة175 هو مجموع عدد القتلى، ضحايا الجرائم، خلال الأشهر الستة الأولى من العام الحالي، بمعدّل 25 قتيلاً في الشهر الواحد، بينما كان قد سجّل العام الفائت معدّلاً شهرياً لا يتجاوز 10 قتلى. المعدّل الشهري لعام 2006 كان 11 قتيلاً وعام 2005 كان 13 قتيلاً.
أما المعدل الشهري للسيارات المسروقة خلال الأشهر الستة الأولى من العام الحالي فبلغ 145 سيارة، بزيادة 34 سيارة عن المعدّل الشهري للعام الفائت، وبزيادة 52 سيارة عن عام 2006. وحتى لو اعتُمدت حسابات «صافي السيارات المسروقة»، وهي حسابات لا تتناسب مع المعايير المهنية، لأن السيارات المستعادة قد لا تكون نفسها السيارات المسروقة، فإن المعدّل الشهري الذي سجّلته قوى الأمن لـ«صافي السيارات المسروقة» للأشهر الستة الأولى من العام الحالي هو 76 سيارة، مقارنة بـ56 عام 2007 و50 عام 2006.
صحيح أن الأشهر المقبلة قد تسجّل معدّلات شهرية أكثر انخفاضاً، ما قد يخفّض المعدّل الشهري لمجمل 2008، لكن اللافت أن المعدّل الشهري للموقوفين في كل الجنح والجنايات لدى قوى الأمن الداخلي خلال الأشهر الستة الأولى من العام الحالي أقلّ بـ300 موقوف تقريباً من المعدّل الشهري للعام الفائت والأعوام الثلاثة السابقة.
ان انخفاض عدد الموقوفين قد يكون إشارةً إيجابيةً، لكن لا بدّ من التدقيق في علاقة ذلك بتغييرات في مؤشرات الحوادث الجرمية. إن احتمال ارتفاع معدّل الموقوفين خلال الأشهر المقبلة قد يشير إلى تقدّم في التحقيقات الجنائية التي تتيح توقيف عدد أكبر من المشتبه فيهم بارتكاب جرائم. لكن معايير العلوم الجنائية الحديثة تشير إلى أن نمط كشف حيثيات الجرائم خلال فترة زمنية قصيرة لا تتجاوز أسابيع أكثر شيوعاً من كشفها خلال فترات تزيد عن شهر. وبما أن النظام القضائي في لبنان، بحسب قانون أصول المحاكمات الجزائية، يسمح للضابطة العدلية بإشراف النيابة العامة، بتوقيف مشتبه فيهم لمدة محدّدة دون وجود أدلّة دامغة، قد يفسّر انخفاض عدد الموقوفين مقارنة بارتفاع عدد الجرائم بخلل في عمل الضابطة العدلية أو بتفوّق تطوّر أساليب الجناة على منهجية التحقيقات الجنائية المعتمدة في لبنان. وقد يكون الخلل مرتبطاً بضعف الإمكانات اللوجستية أو بنقص في العديد والخبرة، أو فساد مستشرٍ في جسم الضابطة العدلية.

أسباب ارتفاع معدلات الجريمة

يتطلب البحث في أسباب التغييرات في مؤشرات الجريمة في لبنان تدقيقاً في الجانب السياسي المتعلّق بتماسك مؤسسات الدولة المعنية بأمن المواطنين وتطوّره، ومراجعة الخصائص السوسيولوجية للحوادث المخالفة للقانون والأمن العام.

انفلات السلاح

يتوافر السلاح بكثرة في لبنان، فإضافة إلى تجّار المسدسات والبنادق الرشّاشة المنتشرين في كل المناطق، حافظ العديد من المواطنين على السلاح الذي كان مستخدماً خلال الحرب الأهلية. ولا شكّ في أن حوادث أيار الماضي سمحت لبعض الأشخاص والمجموعات الخارجة عن القانون بالتحرّك بحجّة الانحياز إلى طرف سياسي معارض للحكومة السابقة من جهة، أو موال لها من جهة أخرى.
من ناحية أخرى، لم تطوّر وزارة الدفاع الوطني أسلوب توزيع رخص حيازة السلاح واقتنائه بشكل جدّي. فتلك الرخص فيها خانة مدوّن عليها نوع المسدس المرخّص ورقمه، وخانة أخرى مدوّن عليها نوع البندقية ورقمها، لكن في معظم رخص السلاح تدوّن كلمة مختلف، ويغيب نوع السلاح ورقمه. وفي كثير من الحالات يستخدم حامل الرخصة أسلحة مختلفة ومتعدّدة.

فساد الدولة وعدم تماسكها

إن لمفهوم القوة الرادعة سلبيات كثيرة، ولا دليل واضحاً على فعاليتها في ضبط الجريمة على المدى الطويل، لكنّ هناك فرقاً كبيراً بين القوة الرادعة والإدارة المتماسكة القوية لمؤسسات الدولة المعنية بالأمن والنظام. ولا شكّ في أن عدم قدرة قوى الأمن والجيش على السيطرة على الوضع الأمني، وعدم ضبط انفلات المجموعات المسلّحة أدى إلى بروز صورة الدولة الضعيفة غير القادرة. ما قد يشجّع بعض المجموعات الجرمية على التحرّك، ظنّاً منها أن ضعف الدولة يمنعها من تعقّبهم وملاحقتهم.
يضاف إلى صورة عدم تماسك الدولة السائدة، الفساد المستشري في مؤسسات الضابطة العدلية. فلا بدّ من كشف مدى انتشار ظاهرة الواسطة والمحسوبيات في التعاطي مع المشتبه فيهم بارتكاب جرائم. يولّد ذلك أملاً لدى مرتكبي الجرائم بالإفلات من العدالة عبر التدخلات السياسية أو الحزبية أو الطائفية أو المذهبية.

الحرمان النسبي

لا يؤدي الفقر والوضع الاقتصادي المتردي بالضرورة إلى تزايد نسبة الجريمة، لكن الحرمان النسبي هو العامل الرئيسي بحسب الأبحاث الجنائية الحديثة، الذي يدفع إلى تزايد حوادث النشل والسلب والتزوير والاحتيال وغيرها من الجرائم بحقّ الملكية. إن الأشخاص الذين يعانون الحرمان النسبي ليسوا بالضرورة فقراء، بل أشخاص يطلبون أو يصرفون أكثر مما يجنون، ما يدفعهم إلى جمع المال بطرق غير قانونية.
ويشجّع المجتمع الاستهلاكي الزائد، كالمجتمع اللبناني، اقتناء منتوجات وأغراض مستوردة مرتفعة الكلفة، وخاصّة لدى الشباب.
وبسبب نسبة البطالة المرتفعة في لبنان وتدني مستوى الأجور عموماً، يبحث عدد كبير من الشباب عن طرق التفافية لجمع المال.

تزايد الأهداف المحتملة

ما زال الاقتصاد اللبناني يعتمد إلى حدّ كبير على الخدمات السياحية، ومنذ مطلع الصيف تكتظّ المطاعم والملاهي الليلية والفنادق بالزوار وبالمغتربين. العدد الأكبر من هؤلاء يتمتّع بحالة مادية ميسورة، ما يعرّضهم لخطر الاحتيال والنصب والنشل.
  • (أرشيف ــ بلال جاويش)

    (أرشيف ــ بلال جاويش)