«الدكتور رؤوف» مصمّم على المضيّ في مكافحة الفساد، رغم فصله أخيراً من هيئة الرقابة على الأدوية في مصر. الاختصاصي الذي يجاهد من أجل خلق صناعة وطنيّة للدواء أسوة بالهند والبرازيل وجنوب أفريقيا، كيف وجد نفسه مع «كفاية» وعمّال «المحلّة»؟
دينا حشمت
لم تكن الصعوبات الأخيرة التي واجهها لتُفقده بشاشته المعهودة. وعلى رغم قرار وزير الصحة باستبعاده عن مجلس إدارة «الهيئة القومية للرقابة والبحوث الدوائية» ومن رئاسة «الشُعبة العامة لعلم الصيدلة» في الهيئة ذاتها، فإن رؤوف حامد لم يتخلَّ عن روح المقاومة. وجد في زملاء دربه الجدد مَن يسانده في محنته، ويشاركه الاندهاش من قدرة البشر على ممارسة أبشع الفساد من دون استحياء. من موقع «كفاية» إلى المدوّنات الشبابية، ومن جرائد المعارضة إلى نقابة الصحافيين، لا يوجد هيئة أو حزب أو جماعة لم تعبّر عن ضرورة «تضامن كل الشرفاء مع الدكتور رؤوف حامد» الذي كشف، مع زملاء آخرين، وقائع «سرقات علميّة وتمرير أبحاث دوائية متناقضة النتائج واستغلال باحثين صغار السن». كما جاء في بيان تضامن معه أصدره «مركز هشام مبارك للقانون».
لم يوقف رؤوف حامد المعركة بعد استبعاده: «شكراً، سأستمرّ في مجابهتي للفساد»... هذا كان رده على فاكس الإقالة الذي أرسله إليه وزير الصحة في يونيو (حزيران) الماضي. لم يتبنَّ القضية باندفاع وخطابة المناضلين، بل بـ «الحوار الهادئ الموضوعي». يواجه الدكتور رؤوف حامد الفساد بطريقة عمله نفسها حين يقوم بأبحاثه الدوائية: روح المثابرة، التأني والاعتماد على حجج متينة.
هذا سبب صدقيته، وخصوصاً في أوساط المعارضين. ألقى رؤوف حامد ــــ قبل دخوله معركة مكافحة الفساد ــــ العديد من المحاضرات حول خطورة اتفاقية الملكية الفكرية التي أبرمتها مصر سنة 2005 في إطار الـ«غات» GATT، وخطورة سيطرة الشركات العالمية على سعر الدواء. شارك في جميع التظاهرات بشأن هذه الإشكاليات والمسائل، سواء كانت منتديات علمية متخصصة، أو مؤتمرات احتجاجية لمناهضة العولمة الليبرالية. وهو لا يمل من تكرار ما يراه مشكلة أساسية: «لا توجد صناعة دوائية في مصر». تعتمد هذه الصناعة بنسبة 95 في المئة على التغليف، بينما تنتج الهند والبرازيل وجنوب أفريقيا أدويتها من الألف إلى الياء، حتى أدوية الإيدز.
لا يمكن فصل مسيرة «الدكتور رؤوف» عن عالم الدواء، عن تلك المكوّنات الفيزيائية التي درس تأثيرها على الجسم الإنساني. ما هو رد فعل المعدة على هذه الأدوية أو تلك؟ ما سرعة استيعابها؟ هل بإمكان نمط غذاء معيّن أن يغيّر رد الفعل لمنتج معيّن؟ أسئلة ملحة تحولت إلى وسواس مقلق.
لم يبدأ حامد مسيرته محباً للعلم. كان «أدبي». قام خلال دراسته الإعدادية، بتحقيقات صحافية لمجلة «الجيزة» وجريدة «الحقائق». شارك في أنشطة مسرحية، وكان «مسؤول اللياقة البدنية» في الفصل. مسيرته العلمية بدأت في الثانوية العامة: «اهتممت بالفيزياء والعلوم الطبيعية، والنووية. أحببت العلوم إلى درجة تهتُ فيها». يحكي كلّ هذا بنظرته الثاقبة الشاردة أحياناً كثيرة، وأدائه المسرحي، فتخطر على بالنا صورة العالم المتفاني، بنظارته وميله إلى الاستطراد الطويل.
كثيراً ما أنساه حب العلم الأمور الدنيوية. لم يجتز امتحان الثانوية العامة بامتياز، ما حال دون دخوله كلية الهندسة. اختار علوم الدواء لا لشيء سوى لانعدام إمكان أخرى، لكنه سرعان ما اندمج في دراسته في جامعة الإسكندرية، مدينة أمه. «سمحت لي هذه الفترة باكتشاف نفسي واكتشاف شوارع إسكندرية والمسرح والسينما. كانت فترة حرية». كانت أيضاً فترة سيطرة منظمة الشباب الناصرية على الحياة الطلابية. التحق بها رؤوف حامد سنة 1965. يؤكد أنّها كانت تجربته التنظيمية الوحيدة، فهو لا ينتمي «إلى أي حزب» ولم يلتحق يوماً بمنظمة شيوعية. على رغم ذلك، كانت تقارير مسؤولي منظمة الشباب آنذاك تصفه بالـ «عنصر السيء» بسبب تجرؤه على إبداء رأيه.
أثناء الحركة الطلابية سنة 1968، كان رؤوف حامد في الصفوف الأولى. يروي الصيدلي جمال عبد الفتاح أنه كان يلقي خطباً راديكالية على الطلاب في المدرّجات: «كنت معروفاً في الجامعة على أني ماركسي صرف، لكن هذا لم يمنع رؤوف من أن يصبح صديقاً لي». لم يتغيّر «الدكتور رؤوف». بقي عنصراً مشاكساً، وخصوصاً في حياته المهنية.
لدى تخرّجه، عُيّن باحثاً مساعداً في مركز البحوث والرقابة الدوائية، وتخصّص في «التيراتولوجي» أي دراسة «النمو الشاذ للكائنات الحيّة». واهتم بشكل خاص بتأثير الدواء على نمو الأجنة. وفي 1972، بعد عامين من تخرّجه، أسّس قسماً للتيراتولوجي: «أول واحد في العالم العربي». أسس بعده قسماً لـ «علوم الدوائية للتنمية» في 1984، ومركزاً للـ biodisponibility الطبية عام 1990.
يحب أن يحكي كيف اضطر إلى مجابهة أجهزة بيروقراطية عدة لتحقيق هذه الإنجازات. أدرك ضرورة ذلك للمرة الأولى عندما أرسل أستاذ زائر من أيرلندا منحة باسمه للعمل والإقامة في دبلن، لكنها لم تخرج من درج مكتب رئيس القسم، ولم يعلم بها رؤوف حامد إلا بعد سنوات. فذهب إلى بولندا، حيث واصل أبحاثه في «التيراتولوجي» ثم عمل في ليبيا سنوات، ودرّس في جامعة طرابلس وحاول تطبيق نماذج تربوية جديدة.
لدى عودته إلى مصر، واجه من جديد بيروقراطية المؤسسة التي كان يعمل فيها. فكّر في تأسيس مركز خاص للبحث الدوائي سنة 1993. وكان يأمل «إنتاجَ أول دواء مصري خالص» في أجَل أقصاه عشر سنوات. «كان ذلك سيسمح لنا بدخول المنافسة سنة 2005» يقول حامد. وقد نجح في إقناع البنك الأهلي الذي اشترط دفع إحدى شركات الأدوية مبلغ مليون أو نصف مليون جنيه للتأكد من جدية المشروع. «أجبت بأن هذا أمر بسيط. ذهبت إلى أصحاب أكبر شركتَي دواء في مصر. ردّ علي أحدهم أنه ليس مستعداً للمشاركة، إلا إذا المشروع بمصنعه. وقال الثاني إنّه لا يؤمن بإمكان إنشاء صناعة دوائية في مصر».
هذه الصناعة قد تضر بمصالح العديد من الجهات، يعتقد رؤوف حامد. قرار استبعاده في نظره ليس إلا وسيلة لتشجيع استشراء الفساد في الهيئة القومية للرقابة الدوائية، بغرض إضعاف قدرتها على الرقابة الفعلية وفتح الأبواب على مصاريعها لأدوية مستوردة لا تتناسب والمعايير المطلوبة.
لكن المعركة من أجل صناعة دوائية مصرية أكبر من الدواء وحده. هذا ما جعل رؤوف حامد يتحمّس لعمّال منطقة المحلة في إضرابهم الأخير... ويهتم بأنشطة «كفاية» ويكتب مقالاً أسبوعياً في جريدة «البديل» اليسارية، إلى جانب دروس الموسيقى العربية. فـ «الحياة مسيرة تعليمية مستمرة».


5 تواريخ

1948
الولادة في القاهرة
1970
تخرّج من كلية العلوم الدوائية
1977
دكتوراه في العلوم الدوائية من مركز الأبحاث والرقابة الدوائية في وارسو
2001
صدر كتابه «ثورة الدواء، للمستقبل والتحديات» ــــ دار المعارف
2007
صدر كتابه
«التفكير العلمي» ـــ دار المعارف