ديما شريفقبل أسبوع من التفجير الأخير في طرابلس، حملت سارة وداليا أغراضهما واتّجهتا، عبر الأوتوستراد، إلى البترون. إعلان كبير بالإنكليزية على مدخل المدينة، ذيّله توقيع بلدية طرابلس جذب انتباههما. يروّج الإعلان للسهر في المدينة «طرابلس في الليل: عشها» (Tripoli at night, live it). تقول سارة ساخرة، «يجب أن يعدّلوا الأحرف في كلمة Live (عشها) لتصبح Leave (اتركها)».
ترى الفتاة الطرابلسية أن مدينتها، لا تصلح للسهر بعد العاشرة مساءً. الأفضل الخروج للمناطق المجاورة. ورغم هذه النظرة المجحفة، عاشت المدينة في السنوات الماضية حياة ليلية في بعض مقاهيها ومطاعمها. لكن المشهد تغيّر بعد 13 آب. إذ وصلت التفجيرات إلى عقر دار الطرابلسيين الذين بقوا برغم معارك نهر البارد، وحرب الشوارع بين باب التبانة وجبل محسن، بمنأى عن الأذى. لم يعش الطرابلسيون أي خوف منذ أيار 2007 عندما دارت معارك بين القوى الأمنية ومقاتلي «فتح الإسلام» في شارع المئتين. وحتى يومها لم تخل شوارع المدينة الأخرى من الزحمة المعتادة.
أما اليوم، فتعيش طرابلس حالة موت بطيء. أصبحت فعلياً تنام «قبل الدجاجات». تخلو شوارعها من المارة بعد الثامنة مساءً، بـ«تشجيع» من انقطاع التيار الكهربائي. تشبّه إحدى السيدات الوضع بأفغانستان: الخوف من النزول إلى الشارع حتى نهاراً، وخصوصاً بعد رواج شائعات عن اعتداء أصوليين بالضرب على فتاة في منطقة الزاهرية بسبب طريقة لبسها. إلى جانب الشائعات عن إطلاق رصاص في منطقة أبي سمراء. حتى شارع عزمي التجاري، خلا في نهاية الأسبوع من متسوّقيه المعتادين. أما في شارع المصارف الذي استهدفه التفجير، فتمرّ بضع سيارات في القسم الذي فتحته القوى الأمنية أمام الناس، فيما بقي مسرح جريمة الباص المستهدف بحراسة بضعة عناصر.
في مدينة الميناء، خفّت حركة «شارع لبنان» المليء بالمطاعم والحانات. تأثرت المدينة بالجو العام، وبفقدانها اثنين من أبنائها في التفجير. واضفت زحمة السير التي سبّبتها الحفريات في معظم مناطقها طابع نشاط وهمي على شوارعها الخالية.
وجاءت أزمة الكهرباء لتدخل على خط التوتر في المدينتين. فالانقطاع المستمر دفع البعض إلى الاعتصام والتهديد بخطوات تصعيدية كما حصل نهاية الأسبوع الماضي. ويؤكد بعض السكان الغاضبين أن التقنين نكاية بأهل المدينة الموالين، كون وزير الوصاية، آلان طابوريان، معارضاً. لا بل يعربون عن استعدادهم لحرق الدواليب، متناسين ما كالوه من شتائم بحق أهل الضاحية الجنوبية يوم حرقوا الدواليب مطالبين بالتيار. ساهمت الأزمة في تغيير زينة المدينة، فإلى ملصقات التنديد بالوضع، والترحيب برمضان، وأهل المدينة «صائمون عن الكهرباء»، بتوقيع «حزب الشباب الوطني». كما انتشرت صور جديدة للنائب محمد كبارة بعد تصريحه المندد بقطع الكهرباء، وزاد عدد صور النائب سعد الحريري. وتناقل سكان المدينة مساء الجمعة الماضي شائعات عن حضور هذا الأخير إلى المدينة للقاء مناصريه، فمنهم من كان يؤكد أنه توجه إلى الضنية لمناصرة النائب أحمد فتفت، فيما أصرّ آخرون على أنه جاء يتضامن معهم في أزمة الكهرباء.


القلعة المقفلة للسهر!

اللوحة الإعلانية العملاقة المذكورة اعلاه، اختارت قلعة طرابلس المضاءة «عنواناً للسهر». ويستغرب بعض المواطنين وضع صورة ليلية لقلعة طرابلس بدل وضع صورة للمطاعم والمقاهي التي تعمل لوقت متأخر، وخصوصاً أن القلعة لا تفتح في الليل!! وحتى في النهار، لا تشكل القلعة عامل جذب على رغم أهميتها التاريخية. ويجب على المتجوّل فيها الانتباه دائماً لخطواته لما تحويه من حفر وبعض القوارض والحيوانات الزاحفة. ويسخر بعض الشبان في المدينة من اختيار الإعلان، متندّرين بأنهم «اضطرّوا» إلى زيارة القلعة وهم على مقاعد الدراسة كجزء من صف التاريخ، وأنه لولا ذلك لما كانوا بالتأكيد قصدوها من أجل السهر.