كرم العبد المحسنقد لا يحقّ لي الحديث عن ستين عاماً لم أتنفس غير نصف هوائها، لكنه كان كافياً لينقل لي عدوى هاجس الصمت على المكاره، وقضم أظفاري عند كلِّ مصيبةٍ، نأياً بها عن تجميع ما تيسّر من أوساخ رأسي، وتحسباً من أن تمثّل خطراً محدقاً بالبلاد إن طالت قليلاً.
لكنني ما زلت هنا معكم. أعلم ما تسرُّون وما كنتم تعلنون وتلعنون، فأنا الملعون بوصية أحمق لم يتورع عن توزيع الوطن على أفواهٍ تلوك الياسمين إذا جاعت... ولا تحصي إلا القتلى بسيوف العزَّةِ بالإثم، وأصوات الناخبين...
أحمق رشَّ المبيدات على سطوح كلِّ المنازل خوفاً من فكرةٍ قد تتطفل على حلم الأبديةِ حتى التخمة، أو قد تزيل رائحة الكافور التي تصدِّع رأس المخصي بليلة عرسه...
وأنا الموصوم بأفكار (إدوارد سعيد) عن الحقيقة التاريخية لاستشراق ما بعد قبل الحداثة... عندما كان الملحدون هم رسالتنا للسماء... والنصف الشرقي للأرض مغطى بالمظلات، فالسماء تمطر في موسكو تمراً شرقياً وثلاث لاءاتٍ عن أسئلةٍ لم نجرؤ يوماً على طرحها...
وأنا المنكوب على كلِّ الصُّعد (براً وبحراً وجواً). منكوبٌ بحرفٍ سقط مني سهواً ليشكل وطناً أحلم به كلَّ نصف ساعة، فأُقِيمَ عليَّ الحدُّ لأني لم أغضَّ طرفي عن عورات الآخرين.
وأنا المتعارف عليه عالمياً بفراغٍ بين قوسين ونخلة، وصورةٍ شمسيةٍ تلائم تاريخي القمري الذي يتيح لحزيران أن يصادف كلَّ أشهري الحرم. حين أطيل الحديث عن ذاكرتي، تدنو مني قبَّرةٌ صغيرةٌ وتنفث فيَّ من موتها، فوقتي سلطانٌ باع مملكتهُ من أجل قدحِ عرق، وأمضى بقيةَ اليوم بانتظار إرثٍ جديد.
في حكايةٍ هنديةٍ أن فيلاً صغيراً أُسِر وقُيدت قدماه بالسلاسل، فأخذ يدور حول نفسه ويضرب الأرض بقوةٍ لساعاتٍ وأيام حتى أنهكه التعب، وبعد عدَّة أيام فُكَّ القيد عن قدميه فلم يغادر القرية وبدأ بخدمة الناس واللعب مع الأطفال وحمل دلاء
الماء...
حتى إنّه نسي لماذا كان غاضباً في ذلك اليوم...
يا إلهي... كم أنا ساذج!