بيار أبي صعباليسار الاشتراكي في فرنسا يمرّ بأزمة وجود حقيقيّة، ويقف مكتوف الأيدي، متقاعساً عن مخاطبة قاعدته (١٧ مليون ناخب في الجولة الرئاسيّة الأخيرة)، وعن أداء دوره لكونه حزباً معارضاً، في مواجهة التسونامي الذي يمثّله نيكولا ساركوزي. وفي تلك الأثناء، يواصل الرئيس الفرنسي سياسته العدائيّة القائمة على ليبراليّة وحشيّة بالكاد تخفي وجهها. ويمضي في إعادة النظر بكل المكتسبات الاجتماعيّة منذ أيّام «الجبهة الشعبيّة» ربّما، تلك التي تتمثّل في رعاية الدولة للمواطنين، وفي الحقوق والضمانات التي يقدّمها النظام الفرنسي لحماية الطبقات الأضعف.
ذلك الحزب الذي استعمله الرئيس الراحل فرانسوا ميتران بمهارة للوصول إلى السلطة في الثمانينيات، وأخذه إلى أقصى الحدود «الإصلاحيّة»، فإذا به ينخرط في اللعبة الرأسماليّة وإدارتها، يبدو اليوم مشلولاً بانقساماته الداخليّة وحروب أقطابه وطموحاتهم الشخصيّة، بقدر ما يبدو عاجزاً عن بلورة مشروع تغييري بديل للسياسة اليمينيّة المفروضة. فمن لم يضعف من هؤلاء الأقطاب أمام إغراءات «ساركو» بعد وصوله إلى قصر الإليزيه، انصرف الى بناء مشروعه الخاص، معلناً حرباً ضمنيّة على منافسيه في قيادة الحزب: «مشكلتكم أنّكم لا يحبّ بعضكم بعضاً»، كتب جاك جوليار في «لو نوفيل أُبسرفاتور» قبل أسابيع! وفي هذا المناخ يمضي الاشتراكيّون إلى ختام جامعتهم الصيفيّة (٢٩ و٣٠ الجاري) تمهيداً لـ«مؤتمر رينس»، خلال تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، الذي سيكون حاسماً في تاريخهم. هل يقدّمون حلولاً حقيقية لمواجهة الأزمة، وأفكاراً لإعادة بناء الحزب بعد هزيمة مرشّحته سيغولان رويال عام ٢٠٠٧؟
أوليفييه بوزانسونو، الوجه الصاعد في صفوف اليسار الراديكالي (٠٨,٤% من الأصوات في الانتخابات الرئاسيّة الماضية، ٦٠% من الآراء الايجابيّة في الرأي العام حسب أحدث الإحصاءات)، لا يعوّل كثيراً على ذلك. في ختام الجامعة الصيفيّة لحزبه LCR (الرابطة الشيوعيّة الثوريّة)، رأى أن الشروط مجتمعة اليوم لإعلان الثورة، عشيّة الأزمة الاقتصاديّة التي بدأت تكشف عن وجهها في فرنسا. عنّف «اليسار المستقيل»، وانتقد ساركوزي الذي يستعدّ لخصخصة البريد. وطالب بلاده بالانسحاب من «الحرب القذرة» في أفغانستان. الـ«بوسطجي» الشاب الذي يواصل استقطاب الكوادر والمناضلين من أحزاب اليسار الأخرى، استعداداً لإطلاق «حزبه الجديد المعادي للرأسماليّة» NPA، حذّر الجميع من أن الموسم المقبل في فرنسا سيكون ساخناً.