إيلي شلهوبلعل أكثر ما يثير الانتباه في عراق اليوم، تلك الثقة الزائدة لنوري المالكي بنفسه. تصريحاته المتكررة عن ضرورة مغادرة الاحتلال بالغة الدلالة. حرصه المفاجئ على السيادة يطرح العديد من علامات الاستفهام، ومعها استفاقته «الوطنجية» على الهوية العربية لهذا البلد. ألم يكن هو نفسه ذاك العاجز الذي أتى إلى السلطة على صهوة الجواد الأميركي؟ أليس هو نفسه مدير مكتب أول رؤساء «مجلس بريمر»، إبراهيم الجعفري، الذي انشق عنه؟ ومن احتل سدة السلطة، بدعم من تيار صدري سرعان ما اختلف معه، وفي ظل «ائتلاف» حاكم ما عاد «موحداً»؟ ومن احتمى بالأكراد ضد السنّة، قبل أن ينقلب عليهم أخيراً تحت عنوان عروبة كركوك وإخضاع البشمركة؟
عوامل كثيرة لا شك في أنها ساعدته على الخروج بهذا المظهر الغريب عن أدائه السابق: خفض مستوى العنف، بعد انقلاب السنّة على «القاعدة» الذي عاد أدراجه، وفرض التجانس الطائفي في المناطق التي كانت مختلطة. إعادة ترتيب البيت الشيعي، برعاية إيرانية، عقب «صولة الفرسان». تضخّم عديد جيشه إلى نحو 200 ألف، معظمهم من طائفته. «تعاون» سوريا. الانتخابات الأميركية التي قادها باراك أوباما بشعار الانسحاب خلال 16 شهراً...
لكنها عوامل تبقى ثانوية قياساً إلى الانقلاب الذي قاده زلماي خليل زاد في السياسة الأميركية عندما كان سفيراً في العراق: مدّ الجسور مع السنّة تحت عنوان إشراكهم في العملية السياسية لاحتواء المقاومة، والمخاوف من علاقة الحكام الجدد بإيران. انقلاب ترجمه ديفيد بيترايوس إلى معادلة عسكرية، عبر «صحوات» مسلّحة تجاوز عديدها 140 ألف مقاتل من العرب السنّة، تمويلها أميركي، سرعان ما بدأت تطالب بقطعة من «كعكة» السلطة.
إعلان حكومة بغداد عن خطة لدمج «الصحوات» بالجيش، لا شك في أنها خطوة في الاتجاه الصحيح، وإن كانت تبدو مشبوهة، لكونها تأتي بعد أيام فقط على حملة اعتقالات طالت المئات من عناصرها وقادتها، وبعد أشهر من محاربتها.
الخطورة في ثقة المالكي بنفسه أنها لا تزال محكومة بعقلية الهيمنة الطائفية نفسها، التي سبق أن أجّجت الاحتراب المذهبي، وأعادت تشكيل التحالفات العربية، وسبّبت اضطرابات في أكثر من مكان... في مقدّمها لبنان.