بين المسلسلات المدبلجة والمباريات الرياضية، قضى بعض التلامذة أوقاتهم المخصصة للتحضير للشهادة المتوسطة، ما أثار قلق الأهل على النتائج
هيثم خزعل

يستعد التوأم حسن وولاء لخوض امتحانات الشهادة المتوسطة. جنّدت والدة التوأم نفسها لمساعدتهما ورعايتهما، فانقطعت عن زيارة الجيران، وباتت تقضي معظم وقتها في مراقبة الولدين وتحفيزهما. لكن جهود الأوروبيين والأتراك زادت مشاكل الأبناء الدراسية في منزل أم حسن. فقد وقعت الوالدة بين مطرقة «اليورو» وسندان المسلسلات التركية المدبلجة إلى اللغة العربية التي يدمن عليها ولداها.
«الحمد لله أنّ كأس أمم أوروبا انتهت»، تقول أم حسن. فقد مثّلت فترة المباريات كابوساً للأم. إذ إن ابنها حسن شغوف بكرة القدم لدرجة الهوس «لو كانت الكتب مستديرة لكان ابني من المتفوقين». لم تفلح نصائح الوالدة ولا كلامها، ترغيباً أو ترهيباً، في ثني ابنها عن متابعة المباريات، وخصوصاً لاعبه المفضل كريستيانو رونالدو نجم الفريق البرتغالي. وقع العديد من الشجارات وانتهى معظمها بدموع يذرفها عاشق الكرة وعبارة يردّدها بمكر «والله خلصت درسي»، عساها تشفع له، فتأذن له والدته بمشاهدة المباريات على مضض. يمعن حسن في تحليل خطط اللعب واستراتيجيات المدربين الذين يحفظ أسماءهم وأسماء اللاعبين بحرفة، لكنّه في المقابل ضعيف في حل مسائل الحساب.
انتهى كابوس «اليورو» وهدأت أعصاب الوالدة التي أخفت من البيت كل ما هو مستدير، فكثيراً ما يترك حسن كتبه ليداعب بقدميه طابة أو كرة.
وما إن انتهت مشكلة الابن حتى بدأت مشكلة الفتاة. فولاء تتابع أحداث مسلسل تركي مدبلج للعربية هو «سنوات الضياع» وتكاد لا تفوّت حلقة. «ابنتي حساسة ولا يمكنني أن أقسو عليها»، تهمس الوالدة. تعاني ولاء ضعفاً في مواد التاريخ والجغرافيا ولديها صعوبة في حفظ المعلومات لكنها تحفظ بسهولة أدق التفاصيل في أحداث المسلسل.
بات أبطال المسلسل يسيطرون على عقل ولاء ويتحكّمون في يومياتها. إذ تقف الفتاة أمام المرآة، تفرد شعرها الأشقر الطويل، تتأمل نفسها وتباهي بعينيها الخضراوين اللتين تشبهان عينا بطلة المسلسل، لميس. لكن يختلف لون شعر ولاء عن لون شعر البطلة وهي تطالب أمها بأن تسمح لها بصبغ شعرها كي يتطابق الشبه بينها وبين البطلة، كما استفسرت منها عن إمكان تغيير اسمها.
عقدت ولاء العزم على أنّها لن تحب أو تتزوج شخصاً لا يحمل اسم يحيى بطل المسلسل وحبيب لميس. تضرب الوالدة كفاً بكف وتتأمل أن لا تملأ ابنتها صفحات المسابقات في الامتحان الرسمي بأحداث المسلسل. فقد اقترب موعد الامتحان والولدان غارقان كل في عالمه الخاص مع أبطال الكرة وأبطال المسلسلات التركية.
والوالدة لا تملك إلا الدعاء لله أنّ يوفق ابنيها لكنها تخشى رسوبهما فعقل الابن لا يزال مشتّتاً بين النمسا وسويسرا وعقل الفتاة ضائع في إسطنبول وضواحيها.
في منزل عايدة كانت الأضرار حكراً على الأتراك وحدهم. فوحيدة عايدة ريما متابعة مخلصة للمسلسل التركي المدبلج للعربية «نور». وأضحى بطلا المسلسل نور ومهند يتحكمان في يوميات تلميذة البريفيه ت. وقد تخلت ريما عن حلمها بدراسة الطب وباتت تبني خططها وطموحاتها على أن تمتلك يوماً مصنعاً للخياطة اقتداءً ببطلتها، أما مهند حبيب نور، فهو رمز للرجولة و«جغل» لا ينافسه أي شاب لبناني وتسقط أمام جماله كبرياء أي امرأة مهما علا شأنها، على حد قول ريما. أما والدتها عايدة، فلسان حالها يكرّر «لم يسلم أجدادنا من أذى الأتراك ولن يسلم أبناؤنا من أذيّتهم أيضاً».