strong>رسمت الصدفة طريق الطالب ذو الفقار ضاهر فقادته إلى التألق في ملاعب كرة اليد من دون أن تسرقه من الحقوق التي عشقها حتى «الاحتراف»
حسن زين الدين
عند الحديث عن الرياضيين، غالباً ما تنطبع في أذهان الكثيرين، وخصوصاً في لبنان، فكرة أنّ اللاعب الرياضي شخص غير متعلم أو قليل الثقافة، فضّل الرياضة على متابعة دراسته. قد تبدو هذه النظرة صائبة لدى فئة من الشباب يعانون شظف العيش في هذا البلد، فيضطرون إلى ترك مقاعد الدراسة والعمل باكراً، إضافة إلى مزاولتهم الرياضة. لكن هذه النظرة ليست هي القاعدة، لأنّ عدداً لا بأس به من الرياضيين يتابعون دراساتهم الأكاديمية أو أنجزوها، ومنهم ذو الفقار ضاهر، لاعب المنتخب الوطني في كرة اليد. لكن ما يجعل من هذا اللاعب استثناءً، أنه استطاع التألق في ملاعب الرياضة في موازاة متابعته لاختصاص الحقوق، وما يتطلبه من تفرّغ ووقت أكثر للدراسة من اختصاصات أخرى، وخصوصاً أنّه قد أتبع إجازته بدبلوم سنتين في القانون الخاص والعام من جامعة بيروت العربية.
لم يكن ذو الفقار، ابن بلدة عرمتى الجنوبية، ليتوقع أن يصبح في يوم من الأيام، كابتن منتخب لبنان في كرة اليد ونجماً بارزاً «فقد كنت أعشق لعبة كرة القدم أيام المدرسة وأود احترافها»، لكن الصدفة قادته إلى مزاولة لعبة كرة اليد «كنت مارّاً في أحد الأيام أمام أحد النوادي التي تزاول هذه اللعبة، فراودتني فكرة أن أدخل إلى قاعة التدريب، ومن خلال مقوماتي البدنية، حظيت بإعجاب المدرّب الذي طلبني إلى التدريب وبدأت المسيرة».
وبعد تجربته في نادي الصداقة التي استمرت 6 سنوات، حقق ذو الفقار ألقاباً محلية عدة، وكان يمثّل أيضاً منتخب الجامعة العربية، وهناك حقق بطولة الجامعات. ثم انتقل في عام 2007 إلى نادي السدّ وما زال. لكن ما بين كرة القدم التي أحبّها ولم يزاولها، وكرة اليد التي لعبها «نصف محترف»، كما يحدّد، وجد ذو الفقار ذاته في عالم الرياضة بغض النظر عن هوية اللعبة «فالرياضة هي عشقي منذ الصغر وتأخذ حيّزاً هاماً في حياتي».
هي الصدفة أيضاً، رسمت طريق ذو الفقار الدراسي، فقد تخصص في الحقوق من دون تخطيط مسبّق، رغم أنّه لا ينكر بأنّ تفضيله للمواد الأدبية على العلمية «التي لا أحبّذها» حدّ من خياراته الدراسية، فاختار الحقوق «لكنني اكتشفتُ بعد ذلك أن هذا الاختصاص يناسبني، فأحببته، ولم أندم قطّ على اختياره»، يقول ذو الفقار.
بين دراسته الحقوق التي تتطلب حفظاً كثيراً للقوانين ومتابعة دؤوبة، ومزاولته للعبة كرة اليد التي تتطلب تدريباً مستمراً، واجه ذو الفقار الكثير من الضغوط للتوفيق بين الاثنتين، وخصوصاً في أوقات الامتحانات، إضافة إلى العديد من المواقف الطريفة «فقد تعرضت في أحد الأيام إلى إصابة بالغة في عيني وامتحنتُ في اليوم التالي وكان المشهد مضحكاً بين الأصدقاء»، يقول ذو الفقار. ويكمل: «كذلك في سنتي الجامعية الرابعة، تعرّضت لكسر في يدي اليمنى، في إحدى المباريات، واضطررت إلى أن أستعين بطالب من السنة الأولى لأمليه الأجوبة». يغرق ذو الفقار في ضحكته حين يتذكر هذا الموقف المحرج لكنه سرعان ما يؤكد أنّ «في الرياضة متعة تخفف كثيراً من ضغوط الدراسة».
حالياً، يبدو ذو الفقار مشتّتاً بين متابعة دراسته للدكتوراه في الحقوق، التي تتطلب تفرغاً تاماً وتنظيماً دقيقاً لأوقاته، وبين خضوعه للتدرّج ثلاث سنوات في أحد مكاتب المحاماة، وانتظاره الرد الإيجابي على العديد من طلبات التوظيف، وخصوصاً أنّه قد اضطر، جرّاء هذا «التشتت»، إلى رفض عقد احتراف لمدة سنة في نادي فولاذ بطل ايران، قُدِّم إليه خلال مشاركة منتخب لبنان في تصفيات كأس العالم في ايران. لكن ما يجزمه ذو الفقار بأنه لو خُيِّر بين العمل في اختصاصه والرياضة، فإنه سيختار بالتأكيد الحقوق، «لأنّ الرياضة في لبنان لا تؤمن لي مستقبلي، فهي ما زالت تعاني كثيراً مقارنةً بالتقدّم في الخارج»، يقول ذو الفقار، ويضيف مبتسماً: «بس حتّى لو صرت محامي رح ضلّ العب رياضة».