لن يكون الشاب هو طالب القرب... لقد أوكل المهمة لآخرين، وفيما كانت «الخاطبة» من مسنات الحي، فرض «تطور الحياة» تغييراً في مواصفات القائمين بهذه المهمة... ما على الراغب بالزواج سوى أن يترك بضع معلومات عن حياته الخاصّة «أمانة» لدى الوسطاء في مكاتب التعارف، ليتمّ «النصيب»
راجانا حمية
سئمت سهى وحدتها، خافت من الوقت وهي تحتسب سنواتها، 29 عاماً نذرت نفسها لعملها. «الحبّ لم يعد وارداً ورسائل الغرام والمسنجر راح وقتها»... بقي أمامها إعلان «مجّاني» وقعت عيناها عليه في صحيفة. يلفت الإعلان إلى فرصة تأمين زوج المستقبل، ترددت كثيراً قبل أن تتصل بـ «مكتب التزويج»، خافت أن تُصبح أضحوكة أو أن يُساء فهمها، ولكنها أخيراً حسمت ترددها علّها تجد «رجل أعمالٍ ... أو مهندساً ميسوراً ابن عائلة كريمة... أو رجلاً في العقد الرابع من العمر...جدّياً...حنوناً يبحث عن الاستقرار...محترماً يرغب في العيش معها...ويحترم الحياة العائليّة».
رفعت سهى سمّاعة الهاتف وضربت رقماً «ألو، قرأت في الصحيفة إعلاناً لرجل أعمال إماراتي يطلب فيه التعرّف إلى فتاة جميلة بهدف الزواج، هل لي أن أكلّمه؟»، جاءها الرد سريعاً مع شرحٍ تفصيلي للخطوات التي عليها اتّباعها للوصول إلى «العريس»، «sorry demoiselle، بس بتحكي معي أنا (...) أُخبرك عن مواصفاته وسآخد مواصفاتك لنرى إن كان سيقبل بها». صمتت سهى قليلاً قبل أن تقفل الخط، لتطلب رقماً آخر علّ «العريس» يجيب مباشرة من دون وسيط، ولكن يبدو أنّ «الكلّ متّفقون على الصيغة نفسها... وسيط واستجواب وموعد مستعجل» ومئتي دولار أيضاً «تسعيرة المقابلة».
في اتّصال آخر سألت سهى عن إعلان حول مهندس «يرغب في الزواج بفتاة جميلة ومثقّفة، هل أستطيع أن أعرف مواصفاته»، فأتاها جواب الوسيطة «معك مدام ...، أوكلني المهندس بأن أختار له فتاة تكون بنت عيلة، طولها 170 سم، لتناسب طوله، وأن يكون جسدها جميلاًُ وعمرها بين 27 و32 عاماً، حبيبتي، إنت شو مواصفاتك؟»، تجيب الفتاة «طولي 170 سم ووزني 57 كلغ وأعمل معلّمة للصفوف المتوسطة...»، وقبل أن تكمل قاطعتها «المدام» «لهون منيح، بس شو دينك». فاجأ هذا السؤال سهى لكنها أجابت «شيعيّة»، أسفت «المدام» للإجابة «أوف، هو مسيحي»، ولكن الوكيلة تاجرة ماهرة، لديها «عرسان بالجملة» لتلبي كل الطلبات فاستُبدل «العريس» مباشرة، ... «طيّب حبيبتي عندي حكيم قلب وشيعي وعمره 42 سنة، ما هي مواصفاتك الإضافية؟»، يأتيها جواب سهى سريعاً بسرعة تبديل العريس «شعري أسود، بشرتي بيضاء ولون عينيّ أسود»، استُبدل العريس مرّة أخرى فـمواصفات سهى «محرزة، سأعطيك رجل أعمال يعيش في ألمانيا، لكنه يريد أن يتزوّج بسرعة، تعالي غداً إلى المكتب صباحاً، سترينه، وإذا اتفقتما تسافران معاً، لكن لا تنسي أن تحملي معك 200 دولار من أجل المقابلة وتقديم الطلب».
وجدت سهى نفسها في شقّة منزلية، «يسرق» مكتب المدام زاوية منها، وما بقي من الغرف «للنوم». كانت سهى مصرّة على المضيّ في مشروعها، قدّمت الطلب بكتابة مواصفاتها، وبعد لحظاتٍ وصل العريس، وبدآ التعارف خلال جلسة كانت أشبه بجلسة استجواب. سهى لم تكن تعرف بماذا تجيب، فقد سرحت بنظرها داخل الغرف. انتهت المقابلة دون أن تقتنع سهى بالعريس، فوعدتها «المدام» بعريس آخر دون أن تدفع أي ليرة زيادة لأن المئتي دولار تصلح للتعرّف إلى أكثر من عريس أو عروس، وعندما يتم النصيب ستحصل الوكيلة على مبلغ إضافي و«محرز» من العريس.
فوجئت سهى بكميّة الطلبات التي يتقدّم بها الشبّان إلى مكاتب التزويج، كما فوجئت صديقتها ندى بالوسيط يقول لها «أوكيه، سأؤمن لك العريس، لكن شرط أن أكون أنا العريس الأوّل»(!) احتارت ندى في أمرها «فأنا طلبت عريساً لتأسيس عائلة، وليس للمتعة». وقد يكون ما واجهته شبيهاً بما اختبره سعيد أثناء بحثه عن «عروس» له... وعريس لشقيقته، استغرب سعيد المواصفات التي يطلبها عريس شقيقته المفترض، «فإضافة إلى أنّها ستكون الثالثة بعد زوجتيه، فإنه يريد أن تكون لها عينان عسليّتان، وجسمها معبّى يميل إلى الطول ولونه أبيض على زهر»، وقد تطول سلسلة «المطالب» حتّى يبدو «طالب القرب كأنّه يبحث عن نايت كلوب لإشباع لذّته»، هذا ما دفع عبد إلى الاتّصال والسؤال «عن فتاة لليلة واحدة، فالحالة الاقتصادية لن تسمح لي بالزواج» .
تعمد بعض المؤسسات إلى إقامة فروعها لها في مختلف المناطق لتتمكن من تلبية رغبات «طالبي القرب»، وثمة مكاتب تعتمد قوانين صارمة لقبول طلبات طالبي القرب، فتجري تحريات عن الراغبين في الاستفادة من خدماتها، ومن الشروط التي تفرضها هذه المكاتب «أن يكون الراغب في الزواج شاباً عازباً أو مطلّقاً يبحث عن زواج حقيقي، لا عن المتعة».
يصعب حصر عدد مكاتب التزويج أو الوقوع على سجلاتها، فهي تتزايد بكثافة؟ والأهم أنه يصعب تحديد إن كان المسؤولون عنها يعملون في إطار يراعي القوانين اللبنانية.
تشير المستشارة القانونيّة دونا جعلوك إلى أنّ هذه المكاتب تندرج في إطار الأعمال التي لا ينظّمها نصّ قانوني، وبالتالي فإنّ غالبيّتها لا تتمتّع بالشرعيّة المطلوبة، فوظيفتها أشبه بعمل «الدلّالين والسماسرة» التي لا تنتظم وفق القوانين أيضاً. وتستدرك جعلوك لتلفت إلى أنّ هذه المكاتب «تسجّل في السجل التجاري تحت غطاء مكاتب خدمات عامّة أو مؤسّسات تجاريّة أو شركة محدودة المسؤوليّة تقدّم الخدمات لقاء أجر، مشروطة بعدم تعارضها مع القانون والآداب العامّة».



تعمل مكاتب التعارف أو الزواج «ضمن شرعيّة مؤسّسات الخدمات»، لكنها قد تفقد هذا الغطاء، إذا نشبت نزاعات بين صاحب المؤسّسة وصاحب الطلب، أو نشأت إشكاليّة قانونية أو ملاحقة، ما سيلفت إلى ضرورة إصدار القوانين لتنظيمها أو منعها. غير أنّه إلى الآن، لم يخرج نزاع «فاضح» إلى العلن