عباس المعلممع كل إنجاز للمقاومة، يحتفل كل اللبنانيين والعرب ويفرحون فرحة المنتصر التي غابت عنهم عقوداً، حتى راودهم يأس تحقيق نصر ولو جزئياً على عدوهم. وعندما حقق حزب الله تحرير عام 2000 وتحرير الأسرى عام 2008، كان الجميع في لبنان والأمة العربية والإسلامية يرون أنفسهم شركاء في هذا النظر، وبطبيعة الحال، هذا صحي ومفترض، في المقابل كان ينصرف مجاهدو المقاومة إلى الجبهات، تاركين خلفهم إنجازاتهم المصنوعة بالدعم والعرق والتضحيات الجسام، لتحتفل الشعوب بنصرهم.
لكن الغريب في الأمر أنه في كل مرة تحقق المقاومة نصراً، لم يكن أحد يقدّر حجم الثمن الذي ستدفعه، وكل ما كان يفعله هو فقط الابتهاج وتقديم التبريك للمقاومين، ومن ثم يسأل ومن دون تضييع للوقت «ماذا عن السلاح»؟ ألم يحن الوقت لنزعه، وعليه سارت الأمور منذ تحرير عام 2002 بهذا الاتجاه: المقاومة تحرر والآخرون يستثمرون تداعيات إنجازها، ويتركون لإسرائيل حق الانتقام منها بالحصار وقتل القادة والمجاهدين، بل أكثر من ذلك، بعضهم يتآمر مع العدو عليها ويتحدث بلغته ويتبنى ذرائعه.
في حرب تموز 2006، كان الأمر أكثر وضوحاً منذ اللحظة الأولى لأسر جنديين إسرائيليين من أجل تحرير أسرى لبنانيين، مضى على اعتقال بعضهم عقوداً من الزمن. جاء الرد بغاية الصراحة «نحن لم نكن على علم، ولن نغطّي هذا العمل، إنها «مغامرة غير محسوبة». وفي توصيف آخر بشكل ملطف «هذا العمل (أي عملية الأسر) هو لمصلحة الملف النووي الإيراني وضرب المحكمة الدولية».
وعليه، تركت المقاومة لمصير القضاء عليها نهائياً وسحقها من الوجود، تحقيقاً لرغبة «أولمرت وشرق رايس الجديد»، لكنها استطاعت أن تحقق نصراً تاريخياً فاق قدرة اللبنانيين والعرب، وكان ثمن ذلك قراراً أممياً أميركياً أوروبياً وشبه عربي ولبناني، يقضي بتجويف انتصار المقاومة إرضاءً لإسرائيل التي تشعر بالهزيمة والانكسار. فكان الحصار وحملات التشويه بحق حزب الله ومجاهديه، وصرفت مئات الملايين من الدولارات لتشويه صورته، فضلاً عن التحريض الطائفي والمذهبي، وبالتأكيد كان الهدف الأساسي هو السلاح الذي أحرق هيبة الجيش الصهيوني.
اليوم يحتفل اللبنانيون والعرب بعودة الأسرى وجثامين الشهداء، والجميع عبروا عن سرورهم وعن رغبتهم بمشاركة المقاومة بنصرها. لكن الاستحقاق الحقيقي يغيب أو يُغيَّب عن ذهن البعض، وهو: ماذا بعد هذا النصر، وما هو الثمن الذي ستدفعه المقاومة في ظل رغبة عالية من عدو تجرّع أكبر هزائمه في عامين على أيدي مقاومة حزب الله، وماذا سيكون رد فعله على الجرح الذي ينزف بداخله ويهدد وجوده، عنوانه الذل، فهل يعقل أن كياناً مثل إسرائيل يمكن أن يبلغ الهزيمة تلو الأخرى ولا ينتقم؟
بالتأكيد، فهو أيضاً يستعد لتلقف هذه الهزيمة، لكن برغبة الانتقام من المقاومة، قادة ومجاهيدين وجمهوراً، وقد بدأت أول تداعيات هذا الانتقام بفرض قيود مالية على خمسة مصارف لبنانية، بحجة وجود أرصدة مالية لحزب الله في هذه المصارف. واللافت أيضاً هو الدعوى التي تقدم بها ستون جريحاً صهيونياً أصيبوا في حرب تموز ضد المقاومة، ومطالبتهم بتعويض يصل إلى 100 مليون دولار!
ويتلقف بعض اللبنانيين إنجاز تحرير الأسرى، بتوجيه السؤال المكرر والعاجل إلى المقاومة: ماذا عن السلاح؟ ويسألون أيضاً: هل من ضرورة لذكر دعم المقاومة في البيان الوزاري بعد عودة الأسرى وتسليم شبعا للوصاية الدولية؟ ويغفل عن بالهم تكلفة إنجاز تحرير الأسرى، فلا يهم ما سيكون ثمن ذلك من استهداف لقادة حزب الله وكوادره وعناصره ومؤيديه ومؤسساته الاجتماعية والإعلامية والإنمائية، وربما يكون الأجدى أن يفعله بعض المدعين، هو الحرص على المقاومة وإنجازاتها. وعلى الرافضين لفحص الدم الوطني أن يأخذوا موقفاً فور تأليف الحكومة العتيدة، يدعم كل مؤسسات حزب الله، وعلى رأسها قناة المنار ومؤسسة جهاد البناء وكل ما يتصل بمؤسساته الاجتماعية. وحبذا لو نسمع تعليقاً من أي مسؤول رسمي عن القرار البريطاني بإدراج المقاومة في خانة الإرهاب، وهل يمكن لنا أيضاً أن نرى تحركاً من الدولة اللبنانية ومنظري القانون في لبنان، لتقديم دعوى ضد إسرائيل وكل مصارف العالم التي تتعامل معها لما ألحقته من دمار وقتل وجراح في لبنان على مدى 30 عاماً؟ واللبيب من الإشارة يفهم...