بيار الخوريفي أزمتنا الحالية، وفي ظلّ تخبّط الوطن بين سقف الطائفية وأرض العبث، نجد الأحزاب السياسية اليمين منها واليسار في حالة العدم الفكري. فاليمين لا يلقي إلا الخطاب التحريضي ويبث عنجهية الطائفية في أذهان المواطنـــين، مقدّماً عرضاً هزلياً عن الإحباط وحقوق المواطن «الطائفي» المهدورة. اليمين اللبناني متشدّد دينياً يعوّل على قواعد شعبية يتملّكها الخوف على وجودها. والحال أنّ جميع الطوائف أقليات، والخوف ملاصق لفكرة كيانها وهو أيضاً يسعى لإطفاء الفقر والجوع، ناثراً على المواطنين المال السياسي، عارضاً خدماته عربون وفاء على «قاطني علب السردين» وحاملي شعار «فلتسقط منظومــة الدولة للجميع».
في بحر هذا الوضع المؤلم، هناك اليسار المتفرّج الذي يجب أن يكون الأقليّة الأخرى الجامعة المكوّنة من جميع الأقليّات الموجودة بقوّة فكرها والتي لا تخاف على ذاتها بل على ذات الوطن، أقليّة تنشد القبول الواعي للفئات المؤمنة فلا عيب في مجاهرة اليسار بالحفاظ على الأقليّات ضمن الدولة العلمانيّة الواحدة الموحّدة. واليسار يجب أن يلعب دوراً توحيديّاً جامعاً تحت إطار:
أوّلاً: المسألة الاقتصاديّة حيث يقول الفيلسوف السلوفيني سلافوي جيجيك: «يجب على اليسار إمطار المتمسّكين بالسّلطة بمطالب مختارة بعناية ودقّة، مطالب لا يمكن مواجهتها بالأعذار». المطلوب من اليسار جمع المواطنين تحت رايات المطالب الاجتماعيّة، موجّهاً بوصلة الدولة نحو أولويّة الخدمات الاجتماعيّة، مشكّلاً حركة تغييريّة ضاغطة باتّجاه «دولة الرّعاية الاجتماعيّة».
ثانياً: مسألة الحريّة. فالمواطن الطائفي لا يخاف إلا على حريّته أكانت دينيّة بالمعنى الوجداني أم حياتيّة. والمطلوب من اليسار المتحرّر من قيود الخوف إزالة هذا التعنّت الطائفي بإبراز حسنات الأديان وطرح برامج فكريّة تنويريّة يتخطّى فيها حدود الحريّات لدى الأديان، ملقياً الضوء على فكرة «الإنسان الحرّ» بالمعنى الأوسع للكلمة ضمن إطار قانون عادل حيث لا تقف الحريّة إلا على حدود فكرة المسّ بحريّة الآخر.
وبذلك يمكن لليسار أن يدفع الأقليّات باتّجاه الوطن الجامع البعيد عن الوطن المتجمّع في «غيتوات» طائفيّة.