مفيد مصطفىكان أجدادنا يزرعون دون استخدام الأسمدة والمبيدات المركّبة. إلا أن السوق اتسع مع الوقت، وأصبح حجم الثمر ولونه، لا قيمته الغذائية، هما العاملان اللذان يحدّدان جودته، فاتّجه المزارع نحو استخدام المبيدات التي تؤثّر سلباً على البيئة وعلى المستهلك، في سبيل تلميع شكل منتجه على حساب جودته وفوائده الصحية، فجلبت هذه الثقافة الزراعية الجديدة معها الأمراض.
اليوم، ينتقل الناس شيئاً فشيئاً إلى زراعة جديدة باتت تعرف باسم الزراعة العضوية، لكنّ حجم هذه الزراعة لا يزال محدوداً. تتميّز الزراعة العضوية باستبعادها الأسمدة والمبيدات المركّبة والبذور المعدّلة وراثياً والمياه الملوثة، إذ يحاول المزارع في اعتمادها مقاربة الأنظمة البيئية الطبيعية. ولا يطلق اسم «عضوي» إلا على المنتوجات الحائزة شهادة رقابة تمنحها شركة مختصّة.
لم تبدأ الزراعة العضوية بمبادرة لبنانية، بل أتت عبر جمعيات أجنبية دعمتها بالمعدات والأموال والتقنيات وتصريف الإنتاج. بشارة أبو فارس أحد مزارعي البقاع الغربي، بدأ بالزراعة العضوية مع الجامعة الأميركية سنة 2003. يربط بشارة ازدهارالزراعة العضوية بثقافة الناس بالدرجة الأولى. وإذا كان بشارة يرى أن الثقافة هي سبب رئيسي لانطلاق الزراعة العضوية، فإن محمود (مزارع عضوي) يرى أن الشرط الأساسي لتصبح الزراعة العضوية بديلاً من الزراعة العادية هو مرورها بـ«الدورة العضوية الكاملة»، وهي أن تكون جميع مكوّنات عملية الإنتاج مستخلصة طبيعياً، فمثلاً لإنتاج البيض العضوي، يجب أن يتناول الدجاج العلف العضوي.
إن حجم سوق الزراعة العضوية وتصريف الإنتاج متدنّ بسبب تدني ثقافة الناس الغذائية، فشرّاء هذه المنتوجات هم أبناء الطبقة المثقفة التي تعرف قيمتها الغذائية ومنافعها، وأبناء الطبقة المتوسطة الذين يستطيعون تحمّل تكلفتها المادية.
فقد توقف محمود مثلاً عن الزراعة العضوية منذ سنة 2004، لأنه بدأ يخسر من زراعة تعطي ربع الإنتاج. وبالإضافة إلى قلة إنتاج هذه الزراعة، فإن تصريفها لا يزال محصوراً بالجمعيات الأجنبية أو بالمحال الخاصة، كسوق الطيب وسوق الأرض.
لا تقتصر صعوبات هذه الزراعة على تصريف الإنتاج، إذ إنه ليس من السهل إيجاد أرض خالية تماماً من الأسمدة والمبيدات، كما أن الجمعيات تدقق كثيراً للتأكد من عدم وجود أسمدة في الأرض. ولكن، في حال توافر المناخ المناسب لتحفيز هذا النوع من الزراعة، فإنها ستعود بالفائدة على الجميع، فالمستهلك يراها أكثر حفاظاً على الصحة من المنتوجات العادية، بينما قد تؤمن للمزارع مردوداً مادياً أكبر من الإنتاج التقليدي، شرط توافر قنوات التسويق.