أنطوان سعدأثارت نتائج استطلاعات الرأي التي تجريها القوى السياسية كافة والتي في مجملها لا تبقى قيد الكتمان ـــــ لأن لا أسرار في لبنان ـــــ مخاوف جميع السياسيين والمراقبين والمعنيين بالشأن العام اللبناني، إذ إن غالبية هذه الاستطلاعات تشير إلى أن لا إمكانية، في ظل المعطيات الموضوعية الراهنة، لتحقيق فوز ساحق لأحد الفريقين المتنازعين اللذين يشلان البلد منذ ثلاث سنوات، على الآخر.
فالفارق المتوقع الذي لا يتعدّى في أفضل الأحوال ثلاثة أو أربعة مقاعد لهذا الفريق أو ذاك، يعني استمرار الأزمة مدة أربع سنوات جديدة.
فكما هو معروف فإن المقاعد السنية والشيعية والدرزية مبتوت أمرها على وجه الإجمال، فيما تبقى المعركة الشرسة المتوقعة على بعض المقاعد المسيحية في عدد محدود من الدوائر.
هذه النتيجة، إذا كرّستها الصناديق، سوف تكون لها انعكاسات سلبية على الواقع السياسي اللبناني.
من هنا تتحرك بعض النخب من أجل تكوين رأي عام ضاغط باتجاه الخروج من دوامة الانقسام القائم وعليه، والسعي إلى إفساح المجال، قدر الإمكان لبروز نخب سياسية جديدة مستقلة من أجل قطع الطريق على تشكّل كتل نيابية كبيرة كالتي تتحكم بمجلس النواب منذ عام 1992. وفي هذا الإطار بالذات، يتحرك النائب بهيج طبارة الذي تكرّست استقلاليته خلال الاستشارات النيابية المخصصة لتسمية رئيس الحكومة العتيدة، بعدما كانت له مواقف متباينة مع تيار المستقبل منذ انتهاء حرب تموز والدعوات غير المدروسة وغير المجدية لإسقاط الرئيس السابق العماد إميل لحود.
وفي اعتقاد نائب بيروت، أن اعتماد تقسيمات قانون عام 1960، مع ما يعنيه ذلك من تصغير للدوائر عما هي عليه في قانون عام 2000، لا يكفي لتحقيق التغيير المطلوب على مستوى إبراز نخب مستقلة عن النزاع الدائر بين الأكثرية والأقلية النيابية الحاليتين، والحد من أحجام الكتل النيابية في المجلس النيابي المقبل حتى لا يبقى مصير البلاد بين أربعة أو خمسة أشخاص. بل إن المطلوب برأيه هو التصدي لثلاث مشكلات أساسية سوف تحول دون تحقيق الهدف المنشود ما لم تتم معالجتها. وهي: التشنج الطائفي، تحديد سقف الإنفاق الانتخابي، وتوفير مساحات إعلامية مقبولة لجميع المرشحين. فهذه المشكلات الثلاث، إذا لم تجر معالجتها، سوف تؤدي إلى بقاء الوضع السيئ القائم على حاله، لا بل قد يتفاقم في ظل استمرار الشحن الطائفي الذي يتغذى من المواجهات ذات البعد الطائفي المستمرة في أكثر من موضع في لبنان، والكلام عن تحضير موازنات مالية ضخمة للعملية الانتخابية، وإبقاء الوضع الإعلامي على حاله.
ويشير النائب طبارة إلى أنه في صدد الإعداد لمقترحات عملية للتصدي لهذه المشكلات ولا سيما أن ما انطوى عليه تقرير الهيئة الوطنية الخاصة بقانون الانتخاب برئاسة الوزير السابق فؤاد بطرس، من بنود إصلاحية يتعاطى معه أعضاء لجنة الإدارة والعدل النيابية على أنه «مثالي ويميل إلى المستوى النظري وبعيد عن الواقعية وغير سهل التطبيق».
أما تقييم مقرر لجنة الإدارة والعدل النائب نوار الساحلي لما ورد في تقرير الهيئة الوطنية، فغير بعيد، وهو يميل إلى الاعتقاد بأن غالبية المواقف سوف تكون داعمة للتقرير ولكنه لن يأخذ طريقه إلى التطبيق على الأقل في الانتخابات النيابية المرتقبة عام 2009، لأن كل نقطة أثيرت منه حتى الآن تأخذ جدلاً طويلاً.
فبعدما جرى نقاش مستفيض في اجتماع يوم الاثنين الماضي حول مسألة تأليف هيئة مستقلة تتولى إدارة العمليات الانتخابية لا الإشراف عليها فقط، وأرجئ بحثها بانتظار أن يقدم عضو الهيئة الوطنية المحامي زياد بارود دراسة مفصّلة عن المراحل التي يستغرقها تأليف هذه الهيئة، يتوقع أن تشهد جلسة اليوم في لجنة الإدارة والعدل جدلاً حول قضية خفض سن الاقتراع إلى ثمانية عشر عاماً. ذلك أن نائب رئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية النائب جورج عدوان أعلن معارضته لهذا الخفض، مما يعني أن المسألة سوف تتطلب أخذاً ورداً وربما أكثر من ذلك، وخصوصاً في ظل التنافس الحاد بين القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر حول تحصيل حقوق المسيحيين.
وقد لا تنفع بالتالي كل المحاولات الرامية إلى تسريع بت البنود الإصلاحية الواردة في تقرير الهيئة الوطنية الخاصة بقانون الانتخاب، على رغم أن معظم القوى السياسية، إن لم تكن كلها، قد أعلنت موافقتها عليها.
لذلك بات من المتوقع أن يأخذ النقاش في لجنة الإدارة والعدل الوقت الكافي لجعل البنود الإصلاحية غير قابلة للتطبيق.