سعدنايل ــ نيبال الحايكالفاعور ــ نقولا أبورجيلييروي الحاج رضوان كل تفاصيل مقاومة شقيقه ورفاقه للاجتياح الإسرائيلي عند مثلث صفّ الهوا وفي مارون الراس وتلة شلعبون، وكيف تمكّن محمد ورفاقه من استعادة تلة شلعبون بعد احتلالها حيث خاضوا معركة عنيفة، «من حينها فقد الاتصال مع أخي محمد». ويتابع الحاج رضوان «ولكن بعض رفاقه كانوا قد أبلغونا أنه أصيب عند صف الهوا وأنه استشهد هناك بتاريخ 18 آذار 1978 حيث أسر العدو جثته ولا نعرف مصيرها، وما إذا كانت مدفونة هناك أم أنه نقلها إلى داخل فلسطين المحتلة. وكل ما استطعنا الحصول عليه من معلومات مؤكدة أن شقيقي محمد استشهد وبقيت جثته مفقودة ومجهولة المصير أو غير معروف مكان دفنها».
ما بين شلعبون ومارون الراس وصف الهوا تنقّل الشهيد محمد الشحيمي متصدياً للاحتلال الإسرائيلي، وها هي بلدته سعدنايل تأمل أن يعود جثمانه من الأسر أو حتى يكشف عن مكان دفنه. ويقول شقيقه رضوان: «بعد تحرير الجنوب وانتصار المقاومة توجّهنا إلى شلعبون وأجرينا مسحاً للمنطقة بالتعاون مع حزب الله حيث عثر على نحو 18 جثة لمقاومين شيّعوا لاحقاً ولم يكن من بينهم شقيقي محمد، ومن ثم انتقلنا إلى صف الهوا وأجرينا أيضاً مسحاً حيث عثرنا على جثة مقاوم تبيّن أيضاً أنها لا تعود إلى الشهيد محمد أو حتى إلى رفيقه أبو وجيه العنداري من بلدة العبادية الذي لم يزل مكان دفن جثته مجهولاً أيضاً».
انتسب الشحيمي في السابعة عشرة من عمره إلى حركة التحرير الوطني الفلسطيني ـــــ فتح والتحق بكتيبة الجرمق بعدما خضع لعدة دورات عسكرية أهّلته ليكون قائداً في الكتيبة التي خاضت مع رفاق من منظمة العمل الشيوعي والحزب الشيوعي اللبناني مواجهات عنيفة مع الاحتلال الإسرائيلي في مارون الراس وشلعبون وصف الهوا وبنت جبيل.
ويقول شقيقه «إن محمد استشهد في المكان الصحيح، وأدى واجبه من أجل فلسطين وانتصار مقاومة لبنان. وما نشهده من نصر جديد للمقاومة هو بفضل محمد وكل رفاقه الشهداء والمقاومين من مختلف الأحزاب والتنظيمات والمناطق اللبنانية. وسعدنايل التي تفتخر بتاريخها المقاوم ضد إسرائيل لن تغادر هذا الموقع المقاوم إلى أي موقع آخر. ونحن كأسرة صغيرة قدّمنا محمد وشقيقي عثمان من أجل لبنان وانتصار خياره المقاوم».
يأمل الحاج رضوان أن تكون جثة شقيقه الشهيد محمد من بين جثث الشهداء الذين ستفرج عنهم قوات الاحتلال الإسرائيلي في مقبل الأيام و«نحن نعلم أن من عادة قوات الاحتلال الإسرائيلي أسر جثث مقاومين، ولكن لا نملك معلومات ما إذا كانت جثة شقيقي قد نقلها العدو إلى داخل فلسطين المحتلة. ونحن كعائلة في سعدنايل لنا ملء الثقة بما تقوم به المقاومة، وكل ما يعزّينا أن شقيقي محمد قد استشهد وهو يقاوم الاحتلال الإسرائيلي».
وفي الفاعور (قضاء زحلة)، أكثر من 19 سنة مضت على اختفاء إبراهيم الطعيمي في ظروف غامضة. وكل ما يتمناه ولده سامر أن تكون جثة والده من بين رفات الشهداء الذين ستشملهم صفقة التبادل بين حزب الله وإسرائيل.
«شرف لي أن يكون والدي قد سقط شهيداً بمواجهة العدو الإسرائيلي» عبارة أطلقها سامر الطعيمي (25 عاماً) الذي فقد والده إبراهيم خالد الطعيمي المعروف بإبراهيم الحمادة (47 عاماً) وهو في السابعة من عمره. كل ما يعرفه سامر أن والده غادر منزله بتاريخ 15 شباط عام 1989 إلى جهة مجهولة، وبعد مضي 17 يوماً على اختفائه تم العثور على جثة مطمورة في التراب بالقرب من بلدة كفردان (غرب مدينة بعلبك)، وقد تسلّمها أقاربه وأهالي بلدته ودفنوها في مدافن عائلته على أنها عائدة لوالده. ومع مرور السنين، بدأ يكتشف من خلال أحاديث أهالي العشيرة أن الجثة التي دفنت في حينها لم تكن لوالده بل لشخص آخر مجهول الهوية. وذكر سامر أنه سلّم ملفاً كاملاً عن الظروف التي رافقت اختفاء والده إلى لجنة المفقودين. سامر الذي أصبح وشقيقه سمير (22عاماً) المعيلين الوحيدين لوالدته وزوجة والده وشقيقاته الثلاث، طالب المعنيين في الحكومة اللبنانية والمسؤولين في المقاومة، خاصاً بالذكر السيد حسن نصر الله، بمساعدته لمعرفة مصير والده، مبدياً استعداده للخضوع لأي فحوص مخبرية لمقارنتها مع عظام الجثث المجهولة الهوية التي ستشملها عملية التبادل، وإذا جاءت النتيجة سلبية تمنى على المعنيين متابعة القضية وأخذ عينات من عظام الجثة التي دفنت على أنها عائده لوالده ومطابقتها على نتائج عينات جسده، وكل ما يحتفظ به سامر من ذكرى أبيه بعض أغراضه الخاصة وصوره وأمر مهمة يحمل رسمه الشمسي صادر عن قوات الصاعقة.
حسين الطعيمي (47 عاماً)، أحد أقارب المفقود الذي وقّع على محضر تحقيق مخفر درك حدث بعلبك بتسلّم الجثة التي وجدت مطمورة في التراب في سهل بلدة كفردان، قال لـ«الأخبار» إن عدداً كبيراً من أهالي البلدة حضروا في حينها إلى مكان وجود جثة مطمورة باستثناء الرأس الذي تناهشت معالمه الطيور الكاسرة، باستثناء جزء صغير من شفته العليا وشعيرات من شاربيه، واختلفت الآراء حول حقيقة هوية القتيل الذي اخترقت جبينه رصاصة واستقرت في الجمجمة، إضافة إلى طلق ناري آخر اخترق رجله اليمنى تحت الكاحل وتم الرأي بأن تنقل الجثة إلى البلدة لتمكين أهله من تحديد أي علامات فارقة في جسده. وكل ما تعرّفت عليه إحدى زوجتيه هو سرواله الداخلي وجواربه. وبالرغم من ذلك، لم نتأكد من هوية صاحب الجثة، إلا أن معتقداتنا الدينية وتقاليدنا تفرض علينا عدم رمي الجثة أو إعادتها إلى القوى الأمنية. واتفق الجميع على أن تدفن الجثة في مقبرة البلدة. وبمحاولة من أقارب المفقود لجلاء حقيقة ما جرى، توجّهوا إلى أحد كبار ضباط الجيش السوري المسؤول عن المنطقة، التي وجدت فيها الجثة آنذاك، وأبلغهم أنها تعود إلى مواطن سوري من محافظة حمص دون إضافة أي تفاصيل. وهذا ما أعاد الأمور إلى ما كانت عليه. وختم حسين أن قريبه كان قليل الكلام ولا يبوح بأسراره لأحد وأنه كتوم حتى مع أفراد عائلته، إلا أنه كان من المتحمسين لمقاومة العدو الإسرائيلي. وهناك إمكانية كبيرة بأن يكون قد استشهد في عملية فدائية، وقد احتفظت إسرائيل بجثته في المقبرة التي أعلن عنها والتي تضم المئات من المقاومين.