جان عزيزجميلة جداً مصادفات الأسماء والألقاب الوزارية في حكومة الوحدة الوطنية. فهي حكومة دفاعها مرّ وداخليتها بارود. صحتها خليفة وطاقتها طابور. تربيتها بهيّة وثقافتها سلام. عدلها نجار وماليتها شطحٌ. بيئتها كرم، ولمهجريها... عودة.
لكن بعيداً عن تلك المصادفات، يظل الثابت أنها حكومة انتخابات. لا بمعنى أنها الفريق الحكومي الذي سيجري الانتخابات المقبلة ويشرف عليها. بل إنها هي نفسها حكومة موازين الانتخابات وعدّة شغلها، وبوانتاجاتها، وإلى حد كبير صورة بما يؤمل أو يرتجى أن تكون نتائجها.
أمس، انتهت مسألة تأليف الحكومة. غداً، أو اليوم حتى، تبدأ ورشة الانتخابات. ولذلك ربما، تقرأ في التشكيلة الثلاثينية معالم كثيرة من أوضاع القوى المعنية وحساباتها.
فالواضح مثلاً، أن طرفين اثنين في الحكومة، أعطيا من حصصهما فيها من دون مقابل. لا بل تنازلا طوعاً، وضحَّيا إرادياً. والمقصود طبعاً حزب الله من جهة، ووليد جنبلاط من جهة أخرى. الأول أعطى حلفاءه. والثاني أعطى الحلفاء، وقبل بقبول الأخصام، علماً بأن الاثنين يقفان حتى اللحظة على تماس المواقف السابقة، في السياسة والأرض وما تحتها، رغم كل المواقف العلاجية المسجّلة.
لكن، ماذا يعني أن يكون حزب الله وجنبلاط، قد أقدما على التنازل حكومياً؟ التعبير الوحيد عن هذا الواقع انتخابياً، هو ارتياح الاثنين إلى وضعيهما الانتخابيين. لا بل تأكدهما من أن لا معارك انتخابية فعلية سيخوضانها. فتقسيمات الدوحة حسمت المواجهات الانتخابية الشيعية إلى حد كبير. وأعلنت نتائج الانتخابات الجنبلاطية قبل عام من حصولها. ففي الجنوب والبقاع الشمالي وجبيل وبعبدا وبيروت الثانية، أقفل الشيعة صناديقهم. يبقى لهم تساؤل حول مقعد في بيروت الثالثة، وآخر في زحلة، وثالث في البقاع الغربي. أما المقاعد الأربعة والعشرون الأخرى، فمحسومة بمعزل عن المقاعد المسيحية الواقعة في دوائرهم، وعددها لا يتعدى مقعد مرجعيون الأرثوذكسي، ومقعدي بعلبك الهرمل، الماروني والكاثوليكي. فيما تبدو دائرة صيدا الزهراني متكافئة.
من جهته، وليد جنبلاط ليس بأسوأ حال من الحزب. فهو ضمن مقاعد الشوف وعاليه الثلاثة عشر. مع احتمال أن يبادر إلى عملية تبادل مماثلة لتبادله الحكومي، بين مقعد درزي في عاليه لطلال أرسلان، مقابل حفاظه على مقعد بعبدا، إذا ما فتحت خطوط المختارة على الضاحية مجدداً. كما ضمن جنبلاط مقعد بيروت الثالثة درزياً، ليقنع بسقوط مقعد حاصبيا، وليخوض معركة متكافئة على مقعد راشيا.
هكذا، يبدو حزب الله وجنبلاط غير معنيين، بأن تكون توزيراتهما، على إيقاع الحسابات الانتخابية الخاصة بهما.
في المقابل، ظهر الحريريون من خلال حكومة السنيورة أمس، وكأنهم أكثر تحسّباً وتهيئة واستعداداً، علماً بأن تقسيمات الدوحة نفسها يفترض أن تريحهم في دوائر الشمال السنية ـــــ طرابلس وعكار ـــــ كما في بيروت الأولى حيث المقاعد العشرة الدسمة. لكن مع ذلك حرص الحريريون على إقفال ثغرة آل سلام في بيروت. كما لم يسقطوا في فخ التخلي عن محمد الصفدي شمالاً. وفي الجنوب حصّنوا صفوفهم الصيداوية للمرة الأولى بتوزير بهية، لإدراكهم ربما أن معركتها لن تكون محسومة، بعد دوراتها النزهة المتكررة منذ عام 1996.
غير أن الإرباك والإخفاق، تجلّيا بوضوح لدى مسيحيي الموالاة. إن لجهة أدائهم الطوعي، أو لجهة ما فرضه عليهم أداء قريطم. فكانت مفاجأة أولى التضحية بميشال فرعون. وهو الذي تنتظره معركة صعبة في بيروت الأولى، دائرة المسيحيين بامتياز، بمقاعدها الخمسة ورمزيتها التاريخية بعد معركة الدوحة عليها. وإسقاط فرعون لن يسهّل طبعاً المواجهة عليه في هذه المنطقة بالذات.
وكانت المفاجأة الثانية استبعاد نايلة معوض، لتترك أرملة أول رئيس في الطائف وجمهوريته، وحيدة في مواجهة أكثرية شعبية ساحقة مؤيدة لخصمها في زغرتا.
وجاءت المفاجأة الثالثة، فيتو من قبل أحد أركان الموالاة على توزير منصور البون. وذلك على خلفية ما يحكى عن أن البون شرّع خطوط تعاونه الانتخابي مع بعبدا، وأبلغ المعنيين أنه غير مستعد لحمل مرشحي الموالاة في كسروان من أحزاب السلطة، حتى لا ينتقل من طائرة كوتونو قبل ثلاثة أعوام، إلى باخرة كسروان من دون وزير سلطوي، وتركت مقاعدها المارونية الخمسة لمعركة شبه مستحيلة على الموالين.
وإذا كانت زحلة تبدو الاستثناء الوحيد لدى مسيحيي الموالاة، مع توزير كتائبي منها لمواجهة تحالف عون ـــــ سكاف في عاصمة البقاع، فإن هذا الاستثناء لا يبدو كافياً لتبديد الصورة القائلة بأن الانتخابات بدأت غداً وأن مسيحيي الموالاة ليسوا في أفضل حال لخوضها.