طرابلس ـ عبد الكافي الصمدولمواجهة هذه المشكلة، جرى الاعتماد على الاستيراد لتغطية النقص، فضُرب ما بقي من إنتاج محليّ، وهجر مئات العاملين قطاع استخراج الملح، فأهملت الملاحات، وخربت، وتوقفت آلاف المراوح عن الدوران، ما عدا مروحة واحدة لا تزال باقية شاهد عيان، بعدما أحيتها «هيئة رعاية البيئة» في أنفة، حفاظاً على إرث له جذوره في ذاكرة البلدة.
وعلى هذا الأساس، تحوّل الاعتماد على تأمين الملح من الإنتاج إلى الاستيراد والتكرير، لكنّ ارتفاع أسعار مواد الطاقة (الفيول والديزل أويل) أدخل إنتاج الملح في مأزق جديد، فتكرير الملح تراجع بدوره، والمتوافر منه للمستهلك دون المواصفات الصحيّة المقبولة عالمياً.
مدير إنتاج «محطة تكرير الملح اللبناني» المهندس أيمن قبيطر أوضح أنّه «قبل الستينيات، كان الملح يستخرج من مياه البحر، ويُجَفَّف على ألواح حديد، ثم يطحن ويباع في السوق بعلاّته؛ وأسّسنا مصنعنا في القلمون عام 1963 لتكرير الملح بمواصفاته الصحيّة».
وأشار إلى أنّ «الإنتاج المحلي من الملح كان بحدود 23 ألف طن سنوياً أواسط الثمانينيات، وكان مصنعنا يكرّر قرابة خمسة عشر ألف طن سنوياً تغطي ملح الطعام المنزلي؛ أمّا القسم الثاني فهو للصناعات الغذائية، وما يبقى لتكرير المياه وللمستشفيات».
ورأى قبيطر أنّ لبنان «يحتاج اليوم إلى نحو أربعين ألف طن سنوياً، لم يعد الإنتاج المحلي يغطي منها سوى سبعة آلاف، لذلك اعتمدنا على الاستيراد، أساساً من مصر، مع وجود فارق بين السعرين: فالمصري يبلغ 37 دولاراً للطن، بينما اللبناني يزيد على خمسين دولاراً»، لافتاً إلى أنّ «تكاليف التكرير ارتفعت من 65 دولاراً لطن الفيول إلى 700 دولار، ويصعب جدّاً رفع سعر الملح بما يتناسب مع سعر الوقود. وإذا شئنا تحديد ثمن للطن، يجب أن يكون 300 دولار للمُكرّر، و160 دولاراً دون تكرير، وهو دون المطلوب»، محذراً من أنّ «الملح المحلي إلى انقراض».
ورأى قبيطر أنّ «زيادة السعر ستؤدّي إلى تصريف الملح بالتصفية والترسيب دون تكرير، ما يبقيه دون المواصفات المطلوبة عالمياً، ودون رقابة محلية. وهذا ما ننبّه من خطورته على الصحّة العامّة»، مشيراً إلى أنّه «بعد تكرير الملح، نضيف مادة «اليود» الضرورية للغدة الدرقية، لأنّ الملح يفقد هذه المادة بالتبخر».
في موازاة ذلك، رأى أودولف دعبول مدير «شركة دعبول لاستيراد الملح» أنّ «الغلاء وارتفاع أسعار مواد صيانة الملاّحات اضطرّ صاحب الملاّحة الذي لم يعمل بيده للتوقف عن العمل. وجاء فتح باب الاستيراد منذ أكثر من خمسة عشر عاماً، ليوقف مئات الآخرين».
ويشرح دعبول طبيعة عمله اليوم بالقول: «نستورد الملح للاستخدام في تعقيم البرك المنزلية والمسابح بواسطة توضيب الملح بأكياس سعة 25 كلغ. وما يتساقط من فضلات حمولة البواخر نطحنه، ونبيعه لمصانع العلف التي تضيفه إلى مواد أخرى للدجاج والبقر، فيرفع حاجتها للمياه، ما يسرع زيادة أوزانها».
ويوضح أنّه «رغم أنّ مادة «اليود» متوافرة في الملح اللبناني أكثر من المصري، لكنّ المستهلك لا يفرّق».