غسان سعودفي الصورة، تبدو شخصيّة النائب كميل خوري جديّة جدّاً، ويبدو الرجل الضخم مقيَّداً بجسده، غير مرن، لا في الحركة ولا في التعامل السياسي. لكن ابن بلدة قرنة الحمرا المتنيّة يبدو عن قرب مختلفاً، وهو يبدو اليوم غيره قبل تسعة أشهر حين اختاره رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون لخوض الانتخابات الفرعيّة في المتن ضد أبرز زعماء المتن الرئيس أمين الجميّل الذي مهد بخسارته الطريق أمام خوري لدخول التاريخ بصفته مُسقط الرئيس في عرينه.
اليوم، يبدو خوري مرتاحاً للأوضاع السياسيّة، مطمئنّاً إلى مستقبل «المشروع» بعد التحديّات الكثيرة التي واجهته خلال العامين الماضيين. وهو يبحث بين الكلمات عن تلك الساخرة لتشخيص ما أصاب مشروع أهل السلطة، مطمئناً الناس إلى أن التسوية «أقلعت». والصورة برمتها تغيرت، سائلاً عمّن توقّع رؤية وليد المعلم في ساحة النجمة، مردداً بابتسامة: هذا حتماً انتصار كبير لثورة الأرز، وخطوة أساسيّة على طريق إسقاط نظام الشام، والتزام معبّر عن صرخات وليد جنبلاط «بدنا التار بدنا التار من لحود ومن بشّار».
ومن المزاح ينتقل خوري إلى بعض الجدِّ، داعياً الناس إلى مطالبة مسؤوليهم بتفسير حصل حتى يبرم الدولاب قبل صدور حكم يبرئ السوريين من الجرائم التي يتهمهم السلطويون بارتكابها. مشيراً إلى أن اندفاع هؤلاء المسؤولين صوب الاتهام وإصدار الأحكام وتخوين المتعقلين، إضافة إلى خوضهم معركة «إنقاذ الشعب السوري»، لم يكن سلبياً على المسؤولين وحدهم، بل إن كل اللبنانيين تحمّلوا تبعاته، ولا يجوز الاكتفاء بقلب الصفحة كأن شيئاً لم يكن. منوهاً، من جهة أخرى، بوعي المعارضة التي عضَّت على الجرح أكثر من مرة ومنعت انفلات الأمور.
وفي رأي خوري أن ما يحصل اليوم هو نتيجة التفاوض السوري ـــــ الأميركي، مذكراً بتنبيه عون الأكثريِّين أكثر من مرة إلى أن الأميركيين سيستخدمونهم لاحقاً لتعزيز موقعهم التفاوضي، وترداده أمام أنصاره أن إدارة الغالبيّة للصراع ستؤدي في نهاية المطاف إلى تقوية النفوذ السوري. ويتوقف خوري طويلاً عند نجاح عون في تحييد فئة واسعة من اللبنانيين عن معركة اعتادت الدخول فيها ودفع ثمنها، مشيراً إلى ضرورة التسجيل «بموضوعيّة» أن تضحيات عون الشخصيّة أعطت دفعاً أساسيّاً للحل، مؤكداً من جهة أخرى أنه لا مهرب أمام الأكثرية من اتفاق الدوحة، «وهم يحاولون، لكثرة يأسهم، بيع البرغل بسعر الذهب». ومن كلام سابق كثير عن الشراكة وغيرها، يرفع خوري نفسه من مقعده المريح، ويردد بثقة أن المعارضة تحترم التعدديّة ويهمها الحفاظ على كلِّ التلاوين «شرط أن يعرف كل واحد حجمه».
وعلى صعيد العلاقة بين الرئيس ميشال سليمان والنائب ميشال المر من جهة، وعلاقة الأول والعماد عون من جهة أخرى، يرى خوري أنّ سليمان، إذا أراد إنجاح ولايته، سيجد نفسه أمام خيار وحيد هو وضع يده بيد عون، مراهناً على أن خطوة كهذه تسرع إعادة التوازن، وتحرر سليمان من معركة سياسيّة يصر بعضهم على دفعه صوبها. أما المر، يتابع خوري، فحيثيَّته الأساسيّة قائمة على الخدمات. و«نحن بأيّة حال نقول إننا نؤيد أن يكون له دور، ولكن دون أن يكون هذا الدور محل تعارض بين سليمان وعون». ولا يلبث خوري أن يستعيد حماسته حين يسأل عن حقيقة ما يحكى عن نيّة عون الترشح في المتن، معتبراً أن للمعركة حينها طعماً مختلفاً، واعداً بمحاولة إقناعه بهذا الأمر حتى لو لم يكن يفكِّر فيه، مؤكداً أن ترشحه يعطي دفعاً طبيعياً للائحة، لكنه ليس أمراً مفصلياً، وخصوصاً أنه استطاع بالتعاون مع حزب الطاشناق إيصال كل من ترشح على لائحة التيّار، دون استثناء، في الانتخابات السابقة نتيجة وعي أهل المتن وفهمهم التوجهات العونيّة.
وعن الطاشناق، يجزم خوري بأنه سيكون حتماً مع عون، مع حفاظهم على خصوصيّة انتخابهم المر، متوقِّعاً أن لا يخوض المر الانتخابات بلائحة منافسة لعون، لعدم إحراج الطاشناق أو استفزازهم. ويكمل خوري جولة توقعاته بالنسبة إلى العلاقة مع القوى المعارضة المؤثرة في المتن، وصولاً إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي، متوقفاً عند العلاقات الخاصة التي باتت تجمع العائلات العونيّة والقوميّة على غرار العلاقات المميزة بين عائلة أمين الجميّل والنائب السابق أسد الأشقرـ مؤكداً أن لقاء العونيين والقوميين حول نقاط عدة مشتركة سيدفع بحزبيهما نحو تعزيز التعاون حتماً.
عند هذا الحد، ينتهي الحديث في صالون كميل خوري، صالون يبدو جديداً على الحياة السياسية، يحاول إيجاد مساحة له في الخريطة السياسية، تتميز عن الصالونات التقليديّة التي سئمها كثيرون. واللافت عند المغادرة أن الحياة في هذا المكان لا تزال هي نفسها كما كانت قبل تسعة أشهر. الطبيب الشاب يفتح بنفسه الباب لاستقبال ضيوفه، زوجته تقدم كاتو منزلياً وليموناضة، ما من حرّاس ولا زحمة ضيوف ولا كثرة اتصالات. والطبيب نفسه يعود ليوصل ضيفه إلى السيارة، موصياً أن لا تمر تسعة أشهر أخرى قبل الزيارة الثانية.