حمد بن جاسم وموسى إلى بيروت وجنبلاط «قلق ومستعجل» ورئيس الجمهوريّة مطمئنّ أمنيّاًبعدما وصلت أسعار المحروقات إلى الحدّ المعطِّل لدورة السير، والضامن لمزيد من الغلاء وتفاقم الأزمة المعيشيّة، بات من الملحّ التوافق على «تسعيرة» سياسيّة نهائيّة تضمن سرعة تأليف حكومة وحدة وطنيّة، على أن تكون بدون رصاص
في فجأة، وبدون مقدمات، وبعدما كانت الأجواء الأمنية والسياسية توحي بالعكس، وبعد يوم عادي لم يوح طوال ساعات ما قبل العصر بأي تطور إيجابي، بدأ تنفيذ الخطة الأمنية وتوقيف مطلوبين، وتسارعت الأخبار عن تذليل العقبات ووضع طبخة الحكومة على نار حامية، بل ذهب البعض إلى حد التأكيد أن إعلان التشكيلة لن يتأخر أكثر من 48 ساعة، وأن ما ينقص حتى الآن هو بعض الرتوش بعد فك الألغام الكبيرة. وقد تعززت هذه الأخبار بتحركات ذات دلالة، إذ اتصل الرئيس المكلف تأليف الحكومة، فؤاد السنيورة، عصر أمس بالنائب ميشال عون، ثم أوفد مستشاره محمد شطح إلى الرابية. وذكر المكتب الإعلامي لعون أنه بحث وشطح «في تصور لمبادئ تأليف الحكومة، على أن تجرى مشاورات تسبق استكمال المحادثات بين الطرفين». ومساءً زار النائب وليد جنبلاط رئيس مجلس النواب نبيه بري في عين التينة، وأفادت معلومات رسمية عن اللقاء بأنهما «متفقان على ضرورة تسريع تأليف الحكومة، لأن ذلك يمتّن الجو الأمني الذي بدأ يتحسن. وأكدا أنه لا تراجع عن المسيرة التي تعززت في الدوحة».
وفهم أن شطح أبلغ عون استعداد الرئيس المكلف لإجراء مبادلة على مستوى الحقائب، وأن رغبة عون بتولي حقيبة المالية أمر ممكن، شرط أن تتخلى المعارضة عن حقيبة الخارجية، لأن من غير المنطقي أن لا يكون هناك حقيبة سيادية للموالاة وللوزراء السنّة فيها على وجه التحديد. وترك شطح باسم السنيورة لعون وبقية المعارضة أمر اختيار هوية من يتولى وزارة المالية، مع تشديد على أن يشمل البحث لاحقاً مسائل تخص بقية الحقائب، فيما كان منتظراً أن يعرض السنيورة على عون حقائب خدماتية أخرى، مثل الأشغال العامة أو التربية، لقاء تخليه عن مطلبه بحقيبة سيادية.
وشرح مصدر قيادي في المعارضة أن هذه التحركات لم تنبثق من عدم، بل هي ثمرة لقاءات ليلية تمهيدية بين الموالاة والمعارضة، منها لقاء بين المعاون السياسي لبري، النائب علي حسن خليل والنائب السابق غطاس خوري. وقال إن جنبلاط «أدى دوراً مكتوماً في حل الخلافات»، إضافة إلى أن النائب سعد الحريري «قدم إشارة إيجابية نحو الحل».
وفهم أن جنبلاط يبدي قلقه من احتمال تأزم الوضع سياسياً، وحتى أمنياً إذا تأخر تشكيل الحكومة، وقال إنه مستعد مع النائب الحريري للتوصل إلى علاجات من شأنها تسريع الأمور، طالباً من بري الأمر نفسه.
ومن المفترض أن يصل إلى بيروت خلال اليومين المقبلين الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى ورئيس الوزراء القطري حمد بن جاسم للمشاركة في حفل زفاف ابنة رئيس المجلس النيابي الصغرى الذي سيقام في مجمع البيال ويحضره حشد من السياسيين المحليين من فريقي الموالاة والمعارضة إلى جانب ضيوف عرب. ويؤمل أن تعقد على هامش الحفل والزيارة لقاءات لموسى والمسؤول القطري مع عدد من القيادات بغية «تمتين اتفاق الدوحة».
وكان الرئيس أمين الجميل قد أكد بعد لقائه بري أمس، وجود اتصالات في العلن والكواليس، وأعلن أن العقبات ليست كبيرة، و«يمكن أن تذلل إذا صفت النيات». وإذ كرر أن السنيورة ليس متمسكاً بأي وزارة محددة، وأن أي وزارة ليست حكراً على أحد، قال: «هناك سلتان متوازيتان ومتوازنتان، ولا مانع من اختيار واحدة من أي منهما»، دون أن يكشف أي تفاصيل. كذلك، نقل النائب جورج عدوان عن السنيورة تأكيده أن «وزارة المال في وضع القابلية للتبديل، وأنا أؤكد ذلك، وهي معروضة ضمن سلال الحل والمبدأ العام».
وفي قصر بعبدا، نقل سفير إسبانيا، ميغيل بينزو بيريا، عن الرئيس ميشال سليمان «أمله الكبير بالنسبة إلى مستقبل لبنان، وخصوصاً لجهة إمساك الجيش بالوضع»، وجزمه بأن «الإشكالات الأمنية البسيطة» التي حصلت في الأيام الماضية «لن تتكرر»، مع تأكيد التزامه توطيد الحوار الوطني في المستقبل القريب.

رسالة تهنئة سعوديّة لرئيس المجلس

وفي هذه الأجواء، وبعد 22 يوماً على اتفاق الدوحة، لفتت أمس رسالة تلقاها بري، من رئيس مجلس الشورى السعودي صالح بن عبد الله بن حميد، يهنئه فيها بنجاح «المساعي الحميدة التي بذلت للتوفيق بين الأشقاء اللبنانيين، ثم انتخاب رئيس الجمهورية والاتفاق على تأليف حكومة الوحدة الوطنية». وأمل «أن تشهد الساحة اللبنانية الأمن والسلام والاستقرار والمزيد من الترابط والتكاتف بين أبناء الشعب اللبناني».
على الصعيد الأمني، بدأت وحدات من الجيش والدرك، مساء أمس، تنفيذ خطة توقيف المطلوبين، عبر عمليات دهم في مناطق بربور والطريق الجديدة ورأس النبع، أدت إلى توقيف مناصر لحزب الله وآخر من المرابطون. وأثناء دهم منزل ز. س في كورنيش المزرعة، حاول الهرب وحصل إطلاق نار، إلا أن القوى الأمنية تمكنت من إصابته في قدمه، ونُقل موقوفاً إلى المستشفى العسكري.
لكن الوضع الأمني شهد انتكاسة عند دوار الحسبة، المدخل الغربي لمخيم عين الحلوة، حيث أطلق ثلاثة أشخاص يستقلون سيارة «أوبل رابيد»، النار من أسلحة رشاشة على حاجز للجيش، فأصيب ضابط وجندي بجروح متوسطة، وقد رد عناصر الحاجز على مطلقي النار وأصابوا أحدهم إصابة خطرة جداً، وتردّد أنه قتل، واعتُقل آخر، فيما فر الثالث، ما استدعى البدء بحملة لاعتقاله، وقد استنفرت وحدات الجيش في محيط المخيم وعند مداخله.
على صعيد آخر، تداول سليمان مع رئيس وأعضاء مجلس القضاء الأعلى اقتراحات من شأنها تفعيل العمل القضائي، ومنها الإسراع في إجراء التشكيلات وملء الشواغر وتفعيل عمل المحاكم وبت الملفات بسرعة حفاظاً على حقوق المتقاضين. وأكد أمامهم استقلالية القضاء وضرورة حياده وتجرده ونزاهته، إضافة إلى وجوب توفير المناخ الملائم لحسن سير عمله. وقال: «لا أمن من دون القضاء، الذي هو ملح المؤسسات، ودوره يتجاوز السياسة، وبالتالي فإن من غير الجائز أن يتأثر القضاء بأي من العوامل المؤثرة في الحياة السياسية».

مكتب اليونيفيل في تل أبيبولاحقاً، أصدر المكتب الإعلامي للقوات الدولية بياناً أكد فيه «أن خطة تأسيس مكتب اليونيفيل في تل أبيب حقيقة معروفة، وليست طرحا جديداً»، محدداً مهمته في إطار الارتباط والتنسيق بين اليونيفيل والأطراف كافة «لضمان التطبيق الكامل لقرار مجلس الأمن 1701». لكنه نفى أن يكون إمكان حصول تغييرات في مهمة اليونيفيل، قيد المداولة، مردفاً «أن ادعاء الإعلام أن قرار اللجنة الخامسة (في الجمعية العمومية للأمم المتحدة) يسعى إلى تعديل مهمة اليونيفيل، هو عار من الصحة». وذكر أن هذه اللجنة تعنى بالمسائل الإدارية وتلك المتعلقة بالميزانية و«لا تملك الحق في اتخاذ القرارات أو إصدار القرارات في أي مسألة سياسية متعلقة بمهمة اليونيفيل»، مشيراً إلى أن المسألة الأخيرة «يقررها مجلس الأمنوتزامن ذلك مع قول وزير الخارجية الإيطالي فرانكو فراتيني، في مداخلة أمام اجتماع مشترك للجنتي الدفاع والخارجية البرلمانيتين: «نحن ملتزمون دراسة طرق مبتكرة ممكنة ضمن الاحترام الكامل للقواعد الدولية التي يمليها الإطار المرجعي للمهمة الدولية في لبنان»، شارحاً: «إن ما نرمي إليه هو جعل دور المهمة العسكرية في لبنان أكثر فاعلية». وبعدما أشاد بدور اليونيفيل، أمل أن تكون الأزمة السياسية والدستورية التي عصفت بلبنان «قد ولت إلى غير رجعة، وأن تتمكن مهمة اليونيفيل من الاستمرار في الحؤول دون وقوع هجمات من الشمال تؤثر على أمن إسرائيل ومواطنيها».
لكن وزير الدفاع الإيطالي، أنياتسيو لاروسا، كان قد قال في الاجتماع نفسه إن من «غير الضروري تغيير قواعد الاشتباك» لليونيفيل، مشيراً إلى أن هدف الأخيرة «يكمن في دعم القوات المسلحة اللبنانية، على أساس مطلب صريح بهذا المعنى ضماناً للأمن في مناطق محددة، ولكي لا تنطلق أعمال عدائية منها». ورأى أن «مرحلة التوتر السياسي ذات الطابع الخاص» في لبنان «قد ولت بعد تسلم الرئيس ميشال سليمان لمهامه الدستورية».
وتعليقاً على موضوع مكتب تل أبيب، توجهت كتلة الوفاء للمقاومة، في بيان إثر اجتماعها أمس، إلى السنيورة «بالسؤال عن معطياته حول هذا الموضوع، وموقفه الرسمي الواضح من هذا الإجراء غير المفهوم. كما تطلب منه توضيح المعلومات التي أشارت إلى وجود اتفاقات خاصة بين الحكومة اللبنانية وقيادة اليونيفيل حول هذا التدبير». ورأت على صعيد آخر، أن الإسراع في تأليف الحكومة «ضرورة لازمة لانطلاقة نوعية للعهد الجديد»، مشددة على «أن تنفيذ مقررات مجلس الأمن المركزي لضبط مظاهر التوتير المفتعل، أمر لا يجوز تأخيره أو التردد في شأنه لأي سبب أو تحت أي ذريعة».

مزارع شبعا بين الدبلوماسيّة والمطالب

على صعيد مزارع شبعا، قال النائب قاسم هاشم إن ما تردد أخيراً عن هذه القضية «لم يأت بجديد. فلبنان قدم إلى منظمة الأمم المتحدة كل الوثائق والأدلة التي تؤكد لبنانية هذه المزارع وحقه في استعادتها»، مهيباً بالجميع طرح القضية من منطلق وطني بعيداً عن الاستثمار والاستغلال السياسي، وبالابتعاد عن أية رهانات ووعود دولية لم تستطع يوماً أن تعيد إلى وطننا وأمتنا حقاً من حقوقه المسلوبة، ولا أن يكون ذلك مقدمة لإثارة غبار سياسي في مكان ما». وإذ رحّب رئيس هيئة أبناء العرقوب ومزارع شبعا محمد حمدان، بطرح وضع المزارع في عهدة اليونيفيل، إذا كانت تمهيدية لعودتها إلى سيادة لبنان، رأى أن «ما يطرح من بعض الأوساط عن تدويل المزارع ووضع علم الأمم المتحدة عليها ومنع الأهالي من دخولها»، يعني «كأنها لا تزال ضمن الاحتلال».
وفي المقابل، اتصل السنيورة أمس بوزيري الخارجية الأميركي والإيطالي، مشدداً على «ضرورة تشديد الضغط على إسرائيل كي تنسحب من مزارع شبعا، ووضعها تحت وصاية الأمم المتحدة بانتظار ترسيم الحدود مع سوريا». ونفى مكتبه الإعلامي ما نشرته صحيفة «لو كنار انشينيه»، من أنه قال للرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي «لدى الاجتماع به في بيروت: إن استقبال الرئيس السوري بشار الأسد سيكون عاراً... إلخ».
كذلك أصدر المكتب بياناً علّق فيه على ما أمله رئيس وزراء العدو إيهود أولمرت أن «يعلن لبنان استعداده للشروع في مفاوضات سلمية مباشرة مع إسرائيل بعد إعلان سوريا إجراء مثل هذه المحادثات»، بتأكيد التزام لبنان «مبادرة السلام العربية التي تدعو إلى السلام العادل والشامل والسير بعملية السلام على كل المسارات»، وأن المواضيع الثنائية العالقة «محكومة بقرارات دولية ملزمة لإسرائيل (...) وهي غير خاضعة للتفاوض السياسي»، معلناً التمسك بما ورد في النقاط السبع في ما خص مزارع شبعا. وقال إن لبنان «ليس معنياً ثنائياً بمبدأ الأرض مقابل السلام، وإن انسحاب إسرائيل من الأراضي التي ما زالت تحتلها في لبنان هو لزام عليها، فضلاً عن احترام سيادة لبنان على أرضه ومياهه واستعادة أسراه وتسلّم كامل خرائط الألغام والقنابل العنقودية، وفقاً للقرارات الدولية المشار إليها آنفاً، ليعود بعدها سريان اتفاقية الهدنة بين لبنان وإسرائيل».