أنطوان سعدحدثت ثلاثة أمور لم تفهم يوم انتخاب الرئيس ميشال سليمان، في 25 أيار الماضي، وتساءل كثيرون عن مغزاها في الأيام التالية من غير التوصل إلى أجوبة حاسمة عنها: لماذا أصرّ رئيس مجلس النواب نبيه بري على إلقاء كلمة في جلسة خطاب القسم لا قبلها؟ لماذا قررت يومذاك الأكثرية وحتى قبل انعقاد اجتماع أركانها ترشيح الرئيس فؤاد السنيورة لتأليف الحكومة الأولى من العهد الجديد؟ لماذا لم يُقرّ قانون الانتخاب المتفق عليه في مؤتمر الدوحة، على رغم ما أشيع عن وجود اتجاه للتصويت عليه بعد جلسة انتخاب الرئيس أو بعد جلسة القسَم وخطاب رئيس الجمهورية؟
بعد مضيّ عشرين يوماً على ذلك النهار الطويل الذي أعاد الأمل إلى معظم اللبنانيين، وتعثّر أمر تأليف الحكومة الجديدة، تبدو الصورة أوضح لما جرى، وهي بالمجمل سوداوية، على رغم أنها لم تبدُ قاتمة إلى هذا الحدّ يومذاك.
فقد بدا رئيس المجلس من خلال محتوى الكلمة التي ألقاها، وفيها الكثير من التحدي والرد على مقولات الأكثرية والنقد للسياسة الأميركية في لبنان والمنطقة ومن خلال رمزية الطريقة التي طلب فيها من رئيس الجمهورية الجلوس ليتلو ما أعدّه كتابةً، أنه يحاول إرساء معادلة جديدة يمكن تفسيرها على نحو يفيد بأن المعارضة هي الممسكة بزمام الأمور وتشير إلى الآخرين بما ينبغي القيام به. كان بإمكان الرئيس بري أن يتوجّه بالكلام إلى رئيس الجمهورية ويسأله أن يتفضّل بالجلوس لأن لديه ما يقوله.
ثمّة مَن يقول إن هذه هي طريقته بالتصرف، لكن من الصعب التصوّر أنه كان ليقدم على ذلك لو كان في حضرة الرئيس السوري بشار الأسد. وفي هذا الإطار، تكشف مصادر مطّلعة أن الرئيس المنتخب فوجئ بما قام به رئيس مجلس النواب وقد يكون انزعج منه لأنه حرص قبل التوجه إلى ساحة النجمة على أن يعرف تفاصيل ما يجري هناك في مثل هذه المناسبة. وقد قال له مدير المراسم السفير مارون حيمري إن عليه الوقوف لأداء القسَم لأن هذا ما يقتضيه العرف الذي تجاوزه الرئيس بري بما يزيد المخاوف من تبدد ما بقي من مستوى الممارسة الديموقراطية في لبنان.
في المقابل، فوجئ الرئيس سليمان صباح يوم انتخابه بقرار الأكثرية بترشيح الرئيس السنيورة لتأليف الحكومة الأولى في عهده، بعدما كان في أجواء ترشيح رئيس كتلة نواب تيار المستقبل النائب سعد الدين الحريري، وأعرب عن تأييده لهذا التوجه الذي كان من شأنه أن يشيع جواً من التفاؤل يطيل عمر فترة السماح التي يفترض أن يتمتع بها كل رئيس جمهورية إثر انتخابه. وبالتالي، بدا بعض مضيّ الأيام العشرين على الانتخاب أن الأكثرية لم تراعِ رغبة الرئيس سليمان، ولم تحفل بعرف فترة السماح واستعدّت من جهتها للمنازلة مع المعارضة حتى من قبل أن تبدأ الاستشارات لتأليف الحكومة وتبرز عقد الحقائب السيادية والخدماتية وحصص الكتل النيابية.
أما بالنسبة إلى إقرار قانون الانتخاب، فثمّة مَن يعتقد بأنه على رغم الضمانات العربية وبخاصة ضمانة دولة قطر، فإنه لا ينبغي الاطمئنان إلى تطبيقه ولا سيما في ضوء التصعيد في المواقف والاشتباكات المتنقلة التي تنذر إذا ما أسفرت عن ضحايا بإعادة الأمور إلى نقطة الصفر وإلى التملّص من التعهدات والدخول من جديد في دوامة التجاذبات التي كانت قائمة عشية السابع من أيار الماضي. وتتخوف أوساط مراقبة من أن تكون الغاية من عدم إقراره هي إبقاء قانون الانتخاب ورقة ضغط في يد الأكثرية على المعارضة والتمسك بتقسيمات الدوائر الانتخابية وفق قانون عام 2000 كمكتسبات أكيدة لا داعي للتخلّي عنها طالما أن الاتفاق الحقيقي متعذّر مع أخصامها، وطالما أن هذا الاتفاق الحقيقي إذا حصل قد يتيح لها الاحتفاظ بهذه المكتسبات على قاعدة إحياء التحالف الرباعي.
ما ينبغي التخوّف منه هو أن كلاً من المعارضة والموالاة أرادتا من خلال موقف الرئيس بري في جلسة أداء القسم وموقف الأكثرية بترشيح الرئيس السنيورة وتأجيل إقرار قانون الانتخاب، أن يرتاح الرئيس سليمان على الكرسي ويرتاح المسيحيون إلى ملء الفراغ الرئاسي كي تتابعا حربهما من دون إحراج مسيحيي الطرفين. وهم يبدون في أية حال متفرجين على رغم التعنّت الذي يبديه العماد ميشال عون المتحرّر من طموحه الجامح إلى سدّة الرئاسة وعلى رغم قتال مسيحيي الأكثرية دون جدوى كبيرة لتحسين مواقعهم داخل معادلة الأكثرية بعدما تحرّروا من طموح قطع طريق الجنرال عون إلى بعبدا.
وتتخوّف شخصية نيابية مخضرمة في الموالاة من أن تطول فترة الضياع الحالية إذا لم تبصر الحكومة النور قريباً.