اللبنانيّون يُطَمئنون: سنعمل تحت مظلّة منظّمة التحريرراجانا حميّة ـ ديما شريف

لن يكون إعمار مخيّم نهر البارد هو الرحلة الأخيرة في حياة الفلسطينيين. فثمّة عودة جديدة في بعض تفاصيل التقرير إلى اللحظة الأولى من النكبة قبل ستّين عاماً، حين خرج الفلسطيني من بلاده «عارياً» من حقوقٍ كثيرة.
ويسجل الفلسطينيون على التقرير بضع ملاحظاتٍ يرون فيها ظلماً، وفي هذا الإطار، ترى مديرة دائرة شؤون اللاجئين الفلسطينيين في منظّمة التحرير الفلسطينية وعضو المجلس الوطني الفلسطيني سميرة صلاح «أنّ الحلّ ليس في قمع الفلسطينيين، عبر فرض أمنٍ عسكري أبعد ما يكون عن الأمن الاجتماعي الذي يحتاجه الفلسطيني». دون أن تنكر صلاح المسؤوليّة المزدوجة التي تقع على الدولة اللبنانيّة والفلسطينيين أنفسهم. ففي الحالة الأولى، «يُفترض بالدولة أن تراقب من يدخل ومن يخرج، فلا يجوز تحميل الفلسطينيين أعباءً ليست عليهم»، وفي الحالة الثانية «يتحتّم على المسؤولين عن أمن المخيّمات معرفة داخليها من غير الفلسطينيين، لتجنّب حربٍ جديدة».
ولا تتوقف انتقادات صلاح عند هذا الحد، بل تتعداه إلى بند «تدريب القوى الأمنية الذي تبلغ تكلفته خمسة ملايين دولار أميركي. وكان يمكن قبول مثل هذا الأمر لو أن الدولة سعت إلى تعزيز دور اللجان الشعبيّة في المخيّم ومنظّمات المؤسسات غير الحكومية التي ترعى أوضاع اللاجئين ولو بجزء من هذه الأموال، ولكن كانت «الغصّة» أن يُعامل الفلسطيني بعد ستّين عاماً على أساسٍ محض عسكري. وتشير صلاح إلى أنّه «ليس من المنطقي أن تأخذ القوى الأمنيّة دور المنظّمات غير الحكوميّة»، مستغربة قيمة تلك الملايين «التي تقتطع من أمام الفلسطيني لتأهيل نظم جديدة للأمن، تمويلها يقع على عاتق الدولة اللبنانية وحدها وليس على الدول المانحة».
وأكّدت صلاح أنّ الحلّ «بتأهيل دور اللجان الشعبية وتدريبها لتكون صلة الوصل مع الدولة أو شريكة في إدارة المخيّم، بعيداً عن صيغة التعامل مع الفلسطيني من منطلقٍ محض أمني، والتي لا تعطينا حقاً سوى أن نكون عملاء للشرطة».
أمّا النقطة الثانية، فهي الخلط بين المخيّم والأطراف، وغياب التوازن في توزيع الأموال، فبين المخيّم والمحيط ومحيط المحيط، يشعر الفلسطينيّون «بالغبن والظلم، وخصوصاً أنّ التوزيع لم يراع «القطاعات المتضرّرة بشكلٍ ما والقطاعات الأكثر ضرراً». وفي النقطة الثالثة، يعلّق الفلسطينيّون على المساحة التي ستغيب من المخيّم، وهي الـ22% من المنازل لمصلحة التهوئة والبيئة. هم لا يعترضون على هذه الخسارة، لأنّهم، بحسب المهندس إسماعيل الشيخ حسن منسّق حملة إعمار نهر البارد التي بدأت عقب انتهاء الحرب وساهمت في رسم خريطة المخيّم الحالية التي يستعين بها التقرير، يفترض «بكلّ فلسطيني أن يعطي الحقّ العام جزءاً من ملكيّته، ولو كان هذا الجزء نصف بيته، على أن يعوّض عليه بسقفٍ يستطيع أن يبني فوقه ما انتقص من الطبقات الدنيا».
وفي المقابل، يقول السفير خليل مكاوي رئيس لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني إن كل ما سيجري سيكون تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية عبر اللجنة الثلاثية التي تتمثل فيها إلى جانب الحكومة اللبنانية والأونروا. وشدد على دور الفلسطينيين في عملية إعمار المخيم الجديد، فهم يعرفون أين يسكن كل شخص وسيساعدون في إعداد الخرائطوعن خوف أطراف فلسطينيين من إمكان حصول إهدار عبر اللجان، أكد مكاوي أنه لا خوف في هذا الموضوع إذ «ستصرف كل الأموال تحت إشراف الأونروا ومظلة اللجنة الثلاثية». ويضيف مكاوي، حول تمويل قوى الأمن الداخلي خمسة ملايين دولار إن «ذلك ضروري لتجهيزها وتنفيذ دورات تثقيفية لأفرادها حول كيفية التعامل مع الفلسطينيين». وشدد على أن ذلك يأتي بالتجانس مع قرار الدولة اللبنانية بفرض سيادتها على المخيم، ولكن بالتعاون مع القوى الفلسطينية، وتحديداً منظمة التحرير الفلسطينية. وأكد أن هناك انفتاحاً كبيراً على كل الفلسطينيين للتنسيق حول مختلف المسائل لإعادة إعمار المخيم بأنجع الطرق.
ولتحقيق الوجهة التي تحدث عنها مكاوي، عمدت منظمة التحرير إلى تشكيل لجنة لدرس ما يتعارض مع المطالب الفلسطينية الواردة في التقرير، في مؤتمر الثالث والعشرين من الجاري في فيينا. وقد تشكّلت لجنة مبدئية تضمّ، إضافة إلى ممثّل المنظّمة عبّاس زكي، ممثّلين عن مراجع فلسطينيّة أخرى ولجان شعبية. غير أن ما ينقص هذا الوفد أنّه لم يحضّر ملحقاً يُدرج فيه طلباته، لتقديمها خلال المؤتمر، وهو الملحق نفسه الذي كان مقرّراً أن يقدمه في اللقاء التحضيري الذي عقد الأسبوع الماضي، والذي قدّمت خلاله الأونروا ملحقاً أضافته إلى التقرير، توضح فيه حيثيات عملها ودورها وكيفيّة توزيع المهام بما يراعي أوضاع اللاجئين الفلسطينيين.
يبدو أنّ الدولة اللبنانيّة متصالحة في التقرير مع نفسها ومع الفلسطينيين، على عكس ما يبديه الفلسطينيون أنفسهم، فهنا، الدولة تؤمن بأنّها أعطت هؤلاء الكثير من حقوقهم وأنّ الأمن الذي تتوخّاه هو في خدمة المجتمعين اللبناني والفلسطيني وحمايتهما من الإرهاب. وفي هذا الإطار، تتباهى الدولة بـ«الشفافية والمحاسبة» التي «امتلأ» بها التقرير تحت حجّة التأكيد أنّ المشرفين على العملية سيحافظون على المال الذي مُنح للفلسطينيين.
وكانت الأونروا قد قوّمت الدمار في بعض مباني المخيم القديم عن بعد وقدرت ما يلزم كلاً منها، على أن تخصص له المبالغ المستحقة بعد إجراء مناقصة فور جهوز لائحة المتقدمين في 20 حزيران، الموعد النهائي لقبول الطلبات. وستتعاون مع شركة الاستشارة IMG لتعيين خبير في الإعمار يترأس العملية ضمن وحدة إدارة المشاريع التابعة للأنروا.
من جهته، يطلق البنك الدولي وكالة تنسيقية للمشروع هي الصندوق الائتماني للجهات المانحة. وسيشمل الصندوق ثلاثة حسابات. الأول يختص بالتبرعات المباشرة إلى الأونروا لتمويل الأنشطة في البداوي والمخيم الجديد، والثاني يهتم بالتبرعات الممنوحة إلى الحكومة لإعادة إعمار المباني والبنى التحتية في المخيم القديم والمناطق الفلسطينية المجاورة له. أما الحساب الثالث فهو «برنامج الإنماء المحلي» للبلديات القريبة من المخيم وسكانها غير الفلسطينيين. وستتخذ القرارات بصرف الأموال عبر اللجنة الاستشارية التي تترأسها الحكومة مع البنك الدولي وأحد المانحين. وتجتمع على الأقل مرة في السنة لاختيار برامج النشاطات وتحديد الأولويات وتخصيص النفقات.
أما الحكومة اللبنانية فمهمتها الرئيسية هي الالتزام بالشفافية، ولكن أهم ما ستقوم به يقع ضمن إطار الحاكمية الجيدة وتفعيلها، وهي من المصطلحات المفضلة لدى حكام البنك الدولي والتي تزخر بها كل أدبياته. فالحاكمية «المفعّلة والمحسنة» في مخيم نهر البارد هي تأكّد الحكومة أن أقسام المخيم تبنى وفقاً للقواعد الوطنية والتنظيم المدني. والجانب الأخطر هو، بلا منازع، ما يتعلق بعمل قوى الأمن الداخلي. فالحاكمية الجيدة ستجبر لبنان على وضع تعريف شامل وواف لمدى عمل هذه القوى في المخيم، وتؤمن له الأموال اللازمة للمساعدة التقنية و«بناء القدرات» لدى أفراد الأمن الداخلي في مجال «مراقبة الجماعات المشتركة عن قرب».
وستستحدث «لجنة وزارية لتسيير الأعمال» يترأسها رئيس مجلس الوزراء، وأعضاؤها وزراء: المال، الداخلية، الشؤون الاجتماعية، ورئيس لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني. كما تستحدث خلية الانعاش والتعمير التابعة مباشرة لرئاسة مجلس الوزراء لتشرف على التنفيذ. وسيترأس الخلية مدير ذو خبرة، يقدم تقاريره إلى رئيس الوزراء. وستتولى الخلية تخصيص الأموال، واستعمال المساهمات بالتعاون مع صندوق البنك الدولي الائتماني. وستتعاون مع مجلس الإنماء والإعمار، وسائر الوزارات المنظمات والوكالات الدولية المانحة، وتتأكد من أن التقارير شفافة وغير منحازة. واللافت هو قيام الخلية، وضمن مهماتها، بإدماج الإدارة المالية والسياسية في عملية إعادة الإعمار، مما سيجعل شعارات الشفافية والمحاسبة سراباً ووهماً. كما ستبتكر الخلية تقنية تنسيق مع المانحين لتفادي الازدواجية. هكذا يصبح تقسيم الأدوار واضحاً، إذ تهتم الخلية بالمساهمات والتبرعات الموجّهة إلى الفلسطينيين، فيما تمارس لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني ولاية سياسية ودبلوماسية على القرار الفلسطيني.


التمويل الموازي

ستتمكن الحكومة اللبنانية والأونروا من صرف بعض الأموال بشكل سريع إذ «اختُرِع» نظام مالي هو «التمويل الموازي»، الذي بموجبه تفتح الحكومة اللبنانية حسابات مصرفية منفصلة باسم متبرعين عديدين في مصرف لبنان تتلقى فيها مساعدات مباشرة من المانحين.
استخدام هذه الأموال مشروط، فهو مخصص في ما يتعلق بالدولة لتأهيل قوى الأمن الداخلي، وإنشاء برامج تنمية محلية لمعالجة مشاكل المناطق المحيطة بالمخيم واحتواء التوترات الاجتماعية والسياسية بين سكان المخيم وسكان المناطق المحيطة.
وستتولى تنسيق المعونات المباشرة للحكومة اللبنانية «وحدة التنسيق بين الجهات المانحة التي تتلخص مهمتها بتشجيع الدول على تقديم المنح، وتلقّيها، ومتابعة الوعود بالتقديمات.
وستقوم الوحدة بتقديم تقارير دورية للجمهور والمانحين لتأمين الشفافية والمحاسبة. وللقيام بذلك، استحدث نظام معلومات للمساندة (DAD) مرتبط مباشرة بمكتب رئيس الوزراء.