تواجه الحكومة العتيدة مجموعة استحقاقات، تتعلق بمشاريع قوانين ومراسيم سبق أن تعاطت معها سابقتها، وخاصة بعد ما أُثير من مشكلات حول شرعيتها الدستورية، وبالتالي شرعية ما صدر عنها. وفي هذا الإطار يعيد عضو المجلس الدستوري السابق الدكتور محمد مجذوب الأزمة، من الناحية القانونية، إلى غياب المرجعية القانونية المؤهلة لإصدار تفسيرات دستورية ملزمة، وينص عليها الدستور عادة في مختلف الدول، ولها حق الفصل في الخلافات الناشئة عن التفسيرات المتناقضة أو المتضاربة لمواد الدستور. ويوضح أنه في مرحلة ما قبل تعديلات الطائف، كان مجلس النواب هو الهيئة التي تقوم بهذه المهمة، ثم نص «الطائف» على إنشاء «مجلس دستوري» يتولى تفسير الدستور ومراقبة دستورية القوانين وبت طعون الانتخابات النيابية وغيرها. ويعتبر المجذوب إنشاء المجلس إنجازاً يواكب التيارات الدستورية الحديثة. إلا أن المادة 19 عُدّلت فانحصر « نطاق صلاحية المجلس الدستوري في مراقبة دستورية القوانين وبت الطعون الانتخابية دون تفسير الدستور»، وأصبح التفسير محصوراً في مجلس النواب، وبالتالي هو الذي يبت شرعية السلطة السياسية، مما يخالف المنطق والتجرد اللذين يفرضان أن يُعهد بهذه المهمة إلى هيئة قانونية مستقلة، منعاً لتفسيرات فئوية أو حزبية تتلاءم مع تطلعات القوى السياسية الممثلة في المجلس. ويعزو مجذوب هذا الواقع إلى «أن الحكام في الدول النامية لا يطيقون الرضوخ للأحكام القضائية الصادرة عن غيرهم لأنهم يضعون أنفسهم فوق كل ناموس». وقد تبدت أهمية استعادة المجلس لدوره خلال الأزمة الحكومية، التي ضجت بالتفسيرات الدستورية المتناقضة، وربما كان هذا سبباً يجعل الأطراف كافة أكثر اقتناعاً بالحاجة إلى وجود هذه المؤسسة ـــــ الحَكَم. أما عن قرارات الحكومة السابقة خلال الأزمة، فيرى النائب غسان مخيبر (الذي يوافق مجذوب في مركزية دور المجلس الدستوري) أن التطرق لها غير مفيد حالياً، متوقعاً أن تعيد الحكومة العتيدة قراءة للمراسيم ذات الطابع التنظيمي المفترض إحالتها على رئاسة المجلس النيابي ولجانه لبته، أما ما عداها فقد انتهى أمره. وفي تفسير دستوري لوضع الحكومة السابقة بعد خروج الوزراء الشيعة منها، يعتبر مجذوب ما حصل خللاً دستورياً، يعود إلى أمرين:
أولاً: تنص المادة 95 من الدستور على أن «تمثل الطوائف بصورة عادلة في تشكيل الوزارة». وحكومة السنيورة بعد استقالة الوزراء الشيعة منها أصبحت خالية من ممثلي طائفة كبرى.
ثانياً: تنص الفقرة «ي» من مقدمة الدستور على أنه «لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك». وهو ما حصل حكماً بعد استقالة الوزراء. ويميز مجذوب بين القرارات التي اتخذتها الحكومة السابقة لتسيير أمور الدولة ومصالح المواطنين، وهي مشروعة على اعتبار أنها حكومة أمر واقع، وبين القرارات التي تمس مصالح الدولة العليا أو تتجاوز الخطوط الحمر، والتي ربما تلغى أو يعاد النظر فيها.
(الأخبار)