صريفا ـ آمال خليليخال الجالس مع أحد أبناء صريفا أو معقل الهزات الأرضية، أنها أصبحت باحة رقص ممتدة على مدى الأربع وعشرين ساعة، كل ما فيها «يهزّ» لمجرد الحديث عن الهزات. فالكل، حتى الأطفال، «يهزّ» إذا لاعب الهواء الأشجار وستائر النوافذ أو تحرك أحد الأبواب ويصرخ مرعوباً: «هزة»، ولا يتورّع البعض عن القفز من على الشرفة مباشرة إذا شعر بالهزة كما فعل أحدهم حينما كان يحاول الهروب ورمى بنفسه من الطابق الثاني و«انقضت» معه بكسور مختلفة في جسده جعلته طريح الفراش غير قادر على الحراك لشبر واحد إذا تكررت الهزات.
السيدة أم العلا حمود (54 عاماً) لم تأت الهزات على بعض جدران بيتها المتصدعة، بل نالت من جسدها وصحتها وأعصابها ونظام حياتها بكل تفاصيله. فالأم لستة أبناء، ترعرعت في بلدتها مركبا منذ ما قبل الاجتياح الإسرائيلي وشاركت وهي صغيرة في مساعدة المقاومين و«الفدائيين» ثم واكبت الاعتداءات الإسرائيلية المتعاقبة بعد انتقالها إلى صريفا حتى عدوان تموز، الذي «فتفت» بعض أحيائها بالكامل، فإذا بها الآن وبعد كل هذا العمر الحافل تنال منها هزات أرضية لا تتجاوز قوتها الخمس درجات وتنقص من وزنها كيلوغرامات عدة وتجبرها على أن تستشير طبيب أعصاب وتتناول مهدئات وأدوية منوّمة لتستطيع النوم لكنّها لم تستطع، كما باتت تمارس حياتها ارتعاشاً ووقوفاً عند مدخل البيت، حيث تبقي الباب مفتوحاً على الشارع وجاهزة لتحتمي بالعراء أو بالخيمة التي نصبتها أمام بيتها. هي تدرك أن الوضع غير منطقي، لكنها تؤكد أن «الحروب كانت أهون من الهزّات التي لا نعرف متى تحصل، وخصوصاً بعد تكرارها المخيف بالرغم من إعلان مركز رصد الزلازل في شباط الفائت أن مساحتها الزمنية لا تتعدى الخمسة عشر يوماً».
أما مصطفى فقيه، فإنه يمضي في خيمة «الطوارئ الطبيعية» وقتاً أكثر مما يجلس في ورشة عمله المقابلة خوفاً من الهزات. فالخيمة المقدمة من المفوضية العليا للاجئين لم يستخدمها مصطفى وسواه من الأهالي بعد انتهاء العدوان ودمار بيوتهم، بل يحتاجون إليها الآن، حيث ينام الكثيرين فيها ليلاً وينقل حياته «اجتماعياته» كلها إليها.
واللافت أن الهزات بدأت تؤثر على مناحي أخرى لدى أهالي صريفا وجوارها المستهدفين طبيعياً. فهؤلاء لم يعودوا مقتنعين بأن تكرارها منذ الثاني عشر من شباط الفائت من فعل الطبيعة، لأنها فاقت بعددها الحد الذي يعرفه لبنان عموماً منذ عقود طويلة، وخصوصاً ترافقها مع هدير قوي وأصبحوا يردونها إلى أسباب أخرى منها أن «المدمرة الأميركية كول هي المسؤولة عن الهزات، على اعتبار أنه بعد دخولها للمرة الأولى البحر المتوسط ووقوفها قبالة الشواطئ اللبنانية سجلت أولى الهزات في شباط الفائت واستمرت ارتداداتها لأكثر من شهر طوال مدة وجودها في المتوسط. ولما عادت مجدداً في الشهر الفائت عادت معها الهزات من جديد. ويرجّح المجتهدون أنها تضرب صواريخ تحت البحر أو تقوم بأعمال عدائية تسبب تلك الهزات وتصدر أصوات الهدير التي لا ترافق في المعتاد الزلازل والهزات الأرضية في العالم إلا في لبنان على ما يبدو». ولم يتورّع البعض عن الاستفسار من بعض أصحاب الكسارات أو العاملين مع قوات اليونيفيل عن إمكان قيامهم بحفر عميق في الأودية. لكن الاجتهاد الأبرز سببه القذائف الذكية الإسرائيلية التي ضربت بها البلدة بأعداد كبيرة قبل عامين، وعدم انفجار الكثير منها إلى الآن ووجودها تحت عمق يتجاوز السبعين متراً تحت الأرض ومن المحتمل بأنها تنفجر.
ورحمةً بصريفا من الهزات والتجاهل الرسمي لناحية الدعم العلمي المستمر أو المادي بعد الكشف الشكلي على الأضرار التي قامت به الهيئة العليا للإغاثة، قام وفد من نقابة المهندسين في بيروت بجولة للكشف على المباني المتضررة برئاسة رئيس النقابة بلال العلايلي، الذي أكّد «وجود أخطار فعلية في بعض المنازل تهدّد حياة ساكنيها، ويجب تدعيمها بأقصى سرعة ممكنة لتفادي الأسوأ»، داعياً «جمعية الجيولوجيين ومجلس البحوث العلمية للقيام بمسح دقيق وسريع لتفادي أي خطر مستقبلي، ولا سيما أن المعاينة أظهرت وجود تشقّقات كبيرة في الأرض، وهذا ما يفاقم الخطر على السلامة العامة، فالفالق يظهر بشكل واضح من خلال التشققات والفتحات الكبيرة ما يدعو إلى إجراء دراسة جيولوجية للمنطقة بأقصى سرعة من جانب جمعية الجيولوجيين ومجلس البحوث العلمية». وأعلن العلايلي أنه سيجري «الاتصالات اللازمة مع الإدارات المعنية لوضع خطة طوارئ»، مؤكّداً أن «المشكلة أكبر من حجم البلديات ويجب أن تتضافر الجهود بين جميع الإدارات المختصة مع التشديد على ضرورة القيام بمسح ميداني ليس فقط في بلدة صريفا بل في جميع القرى المجاورة».
من جهته، جدد رئيس البلدية علي عيد دعوته المعنيين والمختصين «إلى أخذ الموضوع على محمل الجد»، والهيئة العليا للإغاثة إلى «دفع التعويضات عن الأضرار ليتمكن المواطنون من ترميم منازلهم وتحديد الأبنية غير الصالحة، وإلى المبادرة باستحداث مركز ثابت للدفاع المدني للتدخل الفوري عند حدوث أي طارئ، إضافة إلى إقامة مقر دائم لقوى الأمن الداخلي للتدخل والقيام بما يلزم وتحويل مستوصف البلدة الحالي إلى مركز صحي رسمي يستطيع استقبال الحالات الطارئة ومعالجتها وتأمين الخيم والبيوت الجاهزة لجميع سكان البلدة، واستحداث مركز لرصد الزلازل والهزات في صريفا، مهمته المتابعة الدائمة لهذا الموضوع.