نقولا ناصيفترجّح أوساط السرايا 3 مخارج محتملة قد تتضح فرص نجاح أحدها لإيجاد حل للمأزق الحكومي الراهن:
أولها، نظري هو الإجراء الدستوري والطبيعي الذي يقتضي اتخاذه بحسب آلية تأليف حكومة جديدة، والقاضي باتفاق رئيس الجمهورية ميشال سليمان ورئيس الحكومة المكلّف فؤاد السنيورة على وضع تشكيلة حكومية تأخذ في الاعتبار مواقف الموالاة والمعارضة، ويطرحانها عليهما باعتبارها التشكيلة المناسبة للأشهر الباقية من ولاية مجلس النواب حتى ربيع 2009. وتأخذ هذه التشكيلة في الاعتبار ما نصّ عليه اتفاق الدوحة وتوازن القوى الناشئ عن الحوادث الأخيرة، وتجاري مطالب الفريقين المعنيين.
وبحسب وجهة نظر السرايا، ليس من الضروري البحث دوماً عن حلول استثنائية لمشكلة ليست استثنائية، ولا كل حل يقتضي بالضرورة أيضاً الإجماع علىه.
ثانيها، استمرار المأزق الحكومي إلى أمد غير منظور، وربما طويل، حتى يأتي تطور سياسي يتيح الحلّ، على أن يكون هذا الفراغ تحت مظلة ضبط الوضع الأمني وتجنيب البلاد الفوضى، وخصوصاً أن الفريقين يتساويان عندئذ في الخسارة بسبب واقع حكومة تصريف الأعمال التي تفقد الغالبية سيطرتها عليها، ولا تعطي المعارضة ما افتقرت إليه فيها أساساً. قبل اضطرابات 7 أيار الفائت، نجح طرفا النزاع في ضبط الوضع الأمني رغم حدّة التشنج السياسي ونبرة الاتهامات الحادة في الملفات الأكثر قابلية حينذاك للاشتعال، كالمحكمة الدولية في اغتيال الرئيس رفيق الحريري والاعتصام في وسط بيروت وتعطيل مجلس النواب والتشكيك في شرعية حكومة السنيورة وشغور رئاسة الجمهورية. مع ذلك نظّما خلافاتهما تحت سقف استيعاب الشارع، إلى أن خرج أحدهما على قواعد إدارة هذا الصراع، بإقدام الحكومة على إصدار قراريها المعروفين. على نحو كهذا، مماثل للشغور الرئاسي، يستمر الشغور الحكومي.
ثالثها، أن يصار إلى اتفاق رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف على تحسين حصة الرئيس ميشال عون في الحكومة لجهة نوعية الحقائب التي تعطى له لا لجهة عددها، ضمن الحصة المتفق معه عليها، ولا تكون في عدادها حقيبة سيادية. وتكون هذه التسوية بتفاهم سليمان والسنيورة والمعارضة، على أن يتخلى عون عن تشبّثه بالحقيبة السيادية التي يطالب بها، وهي وزارة الدفاع الوطني التي تؤول عندئذ إلى حصة رئيس الجمهورية، وعلى رأسها الوزير الياس المر. ومع أن أوساط السرايا لا تجزم بإمكان إقناع العماد عون بهذا المخرج، لا تخفي كون الرئيس المكلّف من مؤيديه.
الأيام الثلاثة المقبلة ربما تشهد تطوراً جدّياً في اتجاه سلوك أحد الخيارات الثلاثة هذه، مع اعتقاد الأوساط الحكومية برجحان كفة الحلّ الثالث. ولا تكتم وجود اتصالات ومشاورات يشارك فيها أفرقاء أساسيون في المعارضة للتوصّل إلى إخراج التشكيلة الحكومية، وإن لاحظت أن مواقف الساعات الأخيرة التي أطلقها عون، وخصوصاً مطالبته بتعديل بعض صلاحيات رئيس الحكومة، لم تبدُ في تقويم السرايا إيجابية ومنفتحة على الحلّ. لكنها لا تقف في ذاتها عقبة في طريق التسوية. إلا أن المخارج الثلاثة هذه ترى أوساط السرايا اقترانها بمعطيات خمسة:
1 ــــ أن رئيس الجمهورية يصرّ على حقيبة الدفاع ويتمسّك في الوقت نفسه بإسنادها إلى المر، ويؤيّده السنيورة. وبمقدار ما يمثّل هذا الإصرار الطلب الوحيد لسليمان من الحكومة الجديدة، يبدو السنيورة قاطعاً بدوره في تأييد ما يريده رئيس الجمهورية.
2 ــــ ليس في وارد الرئيس المكلّف الاعتذار عن عدم تأليف الحكومة مهما يكن تفاقم العقبات، وهو لا يعدّ نفسه المشكلة، كما أنه متيقن من دعم الغالبية النيابية لاستمراره في جهود تأليف حكومة الوحدة الوطنية. أضف أن اعتذار السنيورة لا يوفر حلاً لمشكلة لا يمثّل الرئيس المكلّف أحد عناصرها.
3 ــــ خلافاً لما سبق تأليف الحكومة الأولى للسنيورة، فإن حكومة الوحدة الوطنية مقيّدة بالشروط التي وضعها اتفاق الدوحة لتأليفها. لا تكتفي بتأكيد حصة كل من الموالاة والمعارضة فيها، بل حدّدت سلفاً القوى السياسية التي تتألّف منها الحكومة الجديدة على نحو لا يفضي إلى استبعاد أي فريق من صفوفها. وما كان متاحاً بعيد انتخابات 2005 في توزيع الحقائب، بحيث خرج من تلك الحكومة مَن لم يوافق على حصته ــــ وهو ما أصاب العماد عون حينذاك ــــ لن يتكرّر في حكومة لن تتألف إذا وضع أحد أفرقائها عقبة في طريقها. لا حكومة من دون عون، إلا أن عدم موافقة الأخير على حصته فيها يقود بدوره إلى المأزق نفسه، وهو أن لا حكومة.
4 ــــ قدّم اتفاق الدوحة للأفرقاء تصوّراً سياسياً أقرب ما يكون إلى زواج بالإكراه. وهو إذ وضع مخرجاً لأزمة عصفت أكثر من سنة ونصف بين الموالاة والمعارضة، لم ينطوِ في المقابل على حلّ لمشكلات قد تنشأ عن هذا التصوّر. والمقصود بذلك أنه نظر إلى الأزمة اللبنانية من خلال فريقين متنازعين حدّد لكل منهما حصته، دون أن يخوض في تفاصيل تقاسم السلطة. قال بعدد معيّن من المقاعد لكل من قوى 14 آذار والمعارضة، ولم يتطرّق إلى توزيع الحقائب عليهما. وقال بحصة لرئيس الجمهورية حدّد منها حقيبة الداخلية على أن يكون على رأسها وزير محايد، ولم يقل بحقيبة الدفاع جزءاً من حصة الرئيس. بذلك يكون اتفاق الدوحة قد وضع إطاراً لحلّ النزاع السياسي بين طرفين ناط بهما وضع الاتفاق موضع التنفيذ وفق الآلية الدستورية التي ترعى تأليف الحكومة الجديدة. وهي المهمة الحصرية التي أوكلها الدستور إلى رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف.
5 ــــ إن الضمانات التي تطالب بها المعارضة، وخصوصاً عون، لتحقيق المشاركة في السلطة الإجرائية لا تكمن في عدد الحقائب ولا في نوعيتها، ولا كذلك في تمييز بعضها السيادي عن البعض الآخر الخدماتي، وإنما في عدد المقاعد القادرة وحدها من خلال نصاب الثلث الزائد واحداً على تسيير قرارات مجلس الوزراء أو تعطيلها. لا وزراء الموالاة كلهم سيحصلون على حقائب، ولا كذلك وزراء المعارضة. أضف أن أياً من وزراء الحقائب، مهما تكن أهميتها، لن يسعه التغريد بها خارج سياق التفاهم أو الاشتباك السياسي داخل مجلس الوزراء.