يخشى بعض الأهالي على أولادهم من الثانويات المختلطة بحجة الحفاظ عليهم، فيغفلون «ماذا يتعلمون» وحاجاتهم للتبادل مع الجنس الآخر
هيثم خزعل

ما إن ينتهي مشوار الدراسة في المرحلة المتوسطة، حتى يقع الأهل في دوامة الحيرة. ويصبح السؤال: أين سيتابع الأولاد الدراسة، في الثانوية المختلطة أم المخصصة لأحد الجنسين؟
الأمر محسوم للبعض، وخصوصاً في ما يتعلق بالفتيات، «الفتاة في هذا العمر قد تخطئ وتبني علاقة غرامية بعيداً من عيون أهلها، فينتهي بها الأمر إلى ما لا يحمد عقباه»، تكتفي أم حسن بهذا القدر من الحديث بعدما حسمت الأمر بالنسبة إلى ابنتها.
«وفي سن المراهقة يجب أن لا يختلط الذكور بالإناث، فهنا تنعدم الثقة بين الأهل والأولاد الذين يتصرف بعضهم تصرفات خاطئة يدفع الأهل ثمنها»، تقول أم سامر، ثم تذكر حوادث عن فتيات تعرفهن دفع الأهل ثمن أخطائهن. وترى أهمية أن تكمل الفتاة دراستها في ثانوية للبنات، وهذا ما تفعله ابنتها، أما ابنها فلا مشكلة لديها أن يكمل دراسته في مدرسة مختلطة لأنه صبي.
أولوية بعض الأهالي المطلقة إذاً هي الحفاظ على أولادهم، فيصبح السؤال «كيف نحافظ على أولادنا، لا ماذا يتعلم أولادنا؟». ويصبح خيار ثانويات البنات حتمياً، بغض النظر عن نوعية العلم ومستقبل الأولاد. لكن ما يغفله الأهل هو تأثير سنوات الدراسة التي يمضيها الطالب على مقعده بعيداً من الجنس الآخر، على علاقته به في ما بعد، حيث يضطر للاختلاط لاحقاً، إن في الجامعة أو في ميدان العمل بعد انقطاع في مرحلة حساسة من عمره هي سن المراهقة.
«لم أنجح حتى الآن في نسج علاقة غرامية، ومعظم الفتيات اللواتي تكلمت معهن قلن لي إنني شاب ذكي ووسيم لكنني لا أحسن معاملتهن»، يقول محمد الذي أمضى المرحلة الثانوية في ثانوية للصبيان ولم تتح له فرصة التعرف إلى الجنس الآخر عن كثب إلاّ في سنته الجامعية الأولى، وهو الآن يشعر بعقدة نقص ويحسد رفاقه ممن لهم علاقات ناجحة مع الفتيات. أما مها، فبرغم خجلها، يصفها بعض رفاقها بأنها عدائية مع الشبان، فهي لا تجلس قربهم وتتحاشى الاحتكاك بهم، فيما تقتصر صداقاتها على زميلات الصف. الفتاة أيضاً أمضت دراستها الثانوية في ثانوية للبنات، تقول «الشاب لا أمان له، وفي أيامنا هذه غاية الشاب من الفتاة واضحة ومفهومة».
من جهته، يرى الاختصاصي في علم النفس الدكتور عباس مكي أنّ كل ما يتعارض مع منطق الكون المبني على الثنائيات باطل وتترتب عليه نتائج خطيرة. فالطفل، بحسب مكي، ينمو على وعي الفوارق بينه وبين الجنس الآخر، كالاسم وقصة الشعر وألوان الملابس وغيرها من المظاهر التي تبين الاختلاف وتعزز رغبة الطفل بإكمال معرفته بالآخر. ثم إنّ الانحرافات السلوكية، كالعادة السرية مثلاً، تبدأ مع الصغار، أي قبل أن يصل التلميذ إلى المرحلة الثانوية. لذا يؤكد مكي أنّ الفصل بين الجنسين في الثانويات غير مجدٍ، لأنّ التلميذ اكتشف الآخر وكوّن صورة عنه، مشيراً إلى أنّه في سن المراهقة تبرز الخصائص الجنسية وتكبر الحاجة للتبادل مع الجنس الآخر (ليس بالضرورة التبادل الآثم). ومع أنّ الفصل لا يمنع التفكير بالآخر لكنه يعوق، كما يقول مكي، الاتصال به، والأمر مؤذ تماماً ويولّد توقاً للتعارف خفية، على قاعدة أن كل ممنوع مرغوب، كما يؤدي إلى توترات نفسية كالتبلّد العاطفي. ويوضح مكي أنّ تمضية المرحلة الثانوية، حيث تأخذ المدرسة القسط الأكبر من حياة التلميذ المتمحورة حول زملاء الصف، قد تصل بالشاب إلى تغير الميول الجنسية لفقدانه الاتصال بالآخر ومحاولة التعويض مع من حوله.
في شق التحصيل العلمي، يعوق الفصل تحصيل التلامذة، حيث يوضع الذكاء لا إرادياً في خدمة البحث عن مورد العاطفة والتبادل مع الجنس الآخر. من هنا ينصح مكي الأهل بالابتعاد عن خيار ثانويات الجنس الواحد، فمن الصحة أن يرى الجنسان بعضهما بعضاً ضمن توجيه لا قمعي، أي أن يحرص الأهل على تنظيم النزوات لا مصادرتها، لأنّ ذلك قد يحبط الأبناء ويدفعهم إلى الانحراف، فالسلوك الآثم قائم نتيجة بحث الشباب عن حاجات معنوية ومادية في ظل انسداد الأفق الذي ولّده فصلهم بالقوة عن الجنس الآخر.