strong>أطلقت الجامعة اللبنانية اسم فرج الله حنين على أحد مدرجات كلية الحقوق والعلوم السياسية والإدارية ــ الفرع الأول. وأقامت للغاية، بعد 56 عاماً على استشهاده، حفل تكريم في المجمّع الجامعي في الحدث. الرفاق في المجمّع وجدوا في التكريم خطوة على طريق استكمال النضالات التي بنت الجامعة، عبر استنهاض الحركة الطلابية واستفاقة الطلاب من غيبوبتهم
فاتن الحاج
تنظر شقيقة الشهيد فرج الله حنين، ماري، منذ سنوات إلى بناء يكبر في الحدث يوماً بعد يوم، ولا ترى فيه كما يرى الجميع طبقات من الإسمنت ترتفع، بل تلمح نصباً لشاب يرتفع من الأرض نحو السماء، يلقي خطاباً بين أقرانه، ثم لا يجمعهم ليحرضهم على التظاهر هذه المرة، بل ليزف لهم خبر تجسد حلمهم في بناء جامعي لجامعة وطنية من أجلها استشهد هو، طالب الحقوق في الجامعة اليسوعية.
كان لهذه الكلمات للدكتور خالد حدادة وقعها في نفوس «الرفاق» الطلاب في مجمع رفيق الحريري الجامعي الذين حلموا بأن يكون البناء الذي تحدث عنه الأمين العام لحزبهم باسم من سقط شهيد مطالبته بالجامعة الوطنية. ومع ذلك فإنّ تسمية أحد مدرجات كلية الحقوق والعلوم السياسية باسم «الرفيق» الشهيد لها دلالات رمزية لمن أسهم وراء الكواليس إلى جانب فرج الله في معركتَي الدم والدفاع عن المكتسبات في الجامعة اللبنانية، وهم كثر، كما يقول مسؤول الجامعات الخاصة في قطاع الشباب والطلاب في الحزب والطالب في الجامعة اللبنانية الأميركية عطا الله سليم.
من جهته، يرى الطالب في كلية الاقتصاد في الجامعة اليسوعية فيصل صفير التكريم بداية الطريق الذي يعيد لنا «تراثنا» الذي فقدناه لنواجه بطريقة جديدة عبر خطة نعدها في الجامعات الخاصة، بعدما اصطدمت أفكارنا بسطوة الأحزاب الطائفية وغياب البرامج والرؤى الشبابية. فواقع الحركة الطلابية بعيد عن فكر فرج الله حنين، والظروف في الجامعة اليسوعية تختلف اختلافاً كاملاً عن ذاك الزمن الذي كانت فيه الأدوات الشعبية عنوان النضال.
وفي الجامعة اللبنانية هناك من لا يريد أن ينتظر 56 عاماً إضافية لتحقيق مطالب الجامعة بعدما انتظر 56 عاماً لتكريم فرج الله حنين، وإن «لم يكن في ذاكرة التاريخ ما يطمس معالم التضحيات»، كما يؤكد رئيس الجامعة الدكتور زهير شكر.
وإذا لم يكن شكر قد تردد لحظة واحدة وقرر باستقلالية وجرأة تكريم شهيد الجامعة، فإنّ طلاب مجمع الحدث سلّموه مذكرة طموحة طالبوه فيها بإنقاذ جامعتهم قبل أن تتحول إلى «مشروع خصخصة» عبر تأكيد علمانيتها، والدفع باتجاه إعادة إحياء الاتحاد الوطني لطلاب الجامعة، وإيجاد إدارة بعيدة عن المحسوبيات والمحاصصات السياسية والطائفية، ورفع الصوت أمام السلطة التنفيذية التي تحرم الجامعة الميزانية اللازمة، والعمل على تطهير الجامعة من المظاهر الأمنية المسلحة.
وناشد طلاب الحدث إنشاء ممر يقي الطلاب أمطار الشتاء وشمس الصيف، وتوفير نقل داخلي، في خطوة أولى، لحين إنشاء الممر، إضافة إلى احترام حقوق الطالب في المعاملات الإدارية والتعليمية والثقافية، والطالب الأجنبي في الجامعة ومنحه حق الانتخاب والتمثيل في المجالس الطلابية وخفض رسم التسجيل وأسعار الكتب وتجهيز السكن الطلابي وتصحيح دوامات التدريس وغيرها.
لائحة المطالب لا تنتهي، لكن الطلاب أعلنوا «أنّهم سيناضلون من أجل جامعة توفر العلم لأبناء الفقراء والعمال والفلاحين». فهل ينجحون في هذه المهمة، وأين هم من فرج الله حنين؟
ترى فرح ورداني (معهد الفنون الجميلة ـــــ الفرع الأول) أنّ شباب اليوم أبعد ما يكونون عن فرج الله حنين. فـ99 في المئة من طلاب الجامعة اللبنانية ليس لديهم أدنى فكرة عن النضالات التي بنت هذه الجامعة ومن بناها ولا يكترثون حتى لذلك، ما داموا يستجيبون لخطة التجهيل، على حد تعبير ورداني. تستبعد ورداني الوصول إلى جامعة وطنية حقيقية، إلّا إذا تحققت معجزة تخرج الطلاب من غيبوبتهم.
ومِن طلاب كلية الحقوق والعلوم السياسية مَن رأى أنّ التكريم إنجاز لرفاق فرج الله، لأنه اختراق لكلية هي حكر على تنظيم سياسي معين كما قال محمد نصر الله.
وفي حفل التكريم في مجمع الحدث، أكد شكر «أنّ هذا الصرح الذي يظللنا سقفه وتحيط بنا جدرانه، لم يكن صرحاً لو لم تكن هناك إرادات وجهود وتضحيات. وهذه المدينة الجامعية لم تكن مدينة لو لم تكن حلماً راود عقولاً واستوطن نفوساً جهدت وناضلت وأبت أن تستكين، فكانت الجامعة اللبنانية، وصار الحلم حقيقة بفضل همم من أرادوا الوطن كاملاً ومن أرادوا سراجاً في العلوم ومشعلاً تتناقله الأجيال ويفخر فيه مواطنوه».
أما حدادة فرأى أنّ الحركة الطلابية في الجامعة اللبنانية مدعوة إلى استعادة دورها في جذب أحزابها وقواها لدعم الجامعة، لا لجعلها مادة جديدة تقتسمها الأحزاب والقوى، وخصوصاً بعدما بهتت صورة أبناء الجامعة الوطنية وباتوا يحملون في حملاتهم الانتخابية صور زعاماتهم خارج الجامعة، يتبارون فيها عوض تنافسهم على برامج، تبدأ باللوح والطبشور ولا تنتهي بحلم الشهداء: البناء الجامعي الموحد. والتعويض الكامل، بحسب حدادة، لفرج الله حنين ورفاقه وطلابه وأساتذته يكون باستكمال النضال من أجل الجامعة اللبنانية، والتعليم النوعي والديموقراطي والوطن العلماني العربي الموحد. وآثر رئيس الهيئة التنفيذية لرابطة الأساتذة المتفرغين في الجامعة الدكتور سليم زرازير الحديث عن زمن انقلاب المقاييس، حيث ثمة طفيلي في مؤسسة فطرية سموها جامعة، منهجها فكر تجاري أصيل، وقوانينها «ادفع تطلع» يسأل: «الجامعة اللبنانية؟ وما أدراكم ما الجامعة اللبنانية؟ إضرابات وتظاهرات واعتصامات... اصطفافات واستفزازات ومواجهات... انقسامات وصراعات وصدامات». يجيب زرازير: «جامعتنا هي بنت العرق والدماء، وفرج الله حنين هو واحد من أولئك الأبطال الذين أسهموا في ولادة هذه الجامعة التي يجتمع فيها لبنان كل لبنان».