زاد حسن ابن السنوات الأربع، اعتاد أن ينام على همس صوت أمه التي تروي له كل ليلة حكاية قبل النوم. بعد ليالي الاشتباك في كورنيش المزرعة، وبعدما تأخر موعد نومه رفض الطفل الاستماع إلى والدته وأعلن أنه سيكون هو الراوي «هذه الليلة زاد سيحكي القصة»، وتروي أحداث حكاية الصغير أن صبياً اسمه زاد كان يقف مع أمه على شرفة المنزل وفجأةً سمع صوت رصاص فدخل و أمه إلى المنزل ثم أغلقا كل الأبواب. وعندما سألته أمه عن الأحداث التالية أجابها إن الصبيّ نام وهو لا يعلم نهاية القصة. رفض زاد الاستسلام لعالم الخيال الذي تُغرقه فيه قصص أمه، فحكاية الشاطر حسن لم تعد تعجبه، وهو قرر أن يكون مع أمه بطلَي قصة ينسجها من واقع المواجهات.
هادي فواز يسكن في حارة حريك في ضاحية بيروت الجنوبية، ويبلغ من العمر خمس سنوات. لم تعد تستهويه لعبة كرة القدم وأقراص «play station 2» . اعتراض والدته لم يفلح في ثنيه عن رمي قرص لعبة «fifa « فالأحداث أنسته لذته في تسجيل الأهداف في مرمى الفريق الخصم. يفضّل هادي الآن لعبة «metal slug» حيث يلعب دور جندي من جنود المقاومة والأعداء هم جنود إسرائيليون». الأم القلقة على ابنها، باتت تلاحظ عنفاً في تصرفاته وردّات فعله، وتحاول أن تأخذ دور الغريم في لعبة كرة القدم، وذلك في محاولة منها لثني ابنها عن لعبة الموت.
السياسة دخلت أيضاً لعبة التدريس، فميرا الترك «معملة المستقبل» تضع لُعبها على سريرها وتحمل مسطرة وحقيبة والدتها. بعد أن تنهي شرح درس العلوم للُّعب بوصفها تلامذتها تغوص معها في جدال سياسي وتقفل باب الصف، «tweety» في صف ميرا هو تلميذ من حركة أمل و (Donald duck) هو تلميذ من حزب الله، أما «باربي» التلميذة المتفوقة، فهي تحب تيار المستقبل. يعلو صوت ميرا في النقاش وهي تحاول إقناع تلامذتها بوجهة نظرها، وتصفّق المعلمة لباربي المتضامنة معها.
دخل الصغار عوالم سياسية، بل ربما غرقوا فيها، وجعلوها المادة الأهم في الأيام الأخيرة للُعبهم، صار اللعب وسيلة التعبير عن «وجهات نظر» يسمعونها، يلتقطون أطراف الحديث ويبدون كأنهم «يهضمونه» جدياً.
محمد عيتاني (7 سنوات) يعشق الرسم ويلجأ دائماً إلى أوراقه البيضاء والأقلام الملوّنة. رسومه القديمة لم تعد تعني له شيئاً، فقد استبدل الأشجار والبيوت والمدرسة برسم مقاتلين يحملون السلاح، و«صورة لعلم تيار المستقبل وأخرى للشيطان» كما يقول. الحزن واضح على وجه محمد «فقد مزّق مقاتلو المعارضة العلم الذي ابتاعه ورفاقه ونصبوا علمهم مكانه».
تعرف والدة الصبي أن «هذه جريمة بحق الطفولة لكن، لا سبيل إلى عزل الأطفال عما يدور في البلد» تقول أم محمد.
انكسرت إذاً تلك الحدود التي يعتقد الكبار أنها تفصلهم عن عالم الصغار، فلُعَب هؤلاء خدشها أزيز الرصاص وقصصهم طالتها ريشة الحرب بسوادها القاتم، وقاموس الأطفال الجديد يخلو من أحلامهم البريئة.
هيثم...