إبراهيم الأمينلم يكد فريق 14 آذار يعلن تسمية الرئيس فؤاد السنيورة رئيساً للحكومة، حتى بدأت ماكينات قريبة من المعارضة البحث في طريقة للردّ من خلال ترشيح أسماء يتعامل معها فريق السلطة على أنها استفزازية وغير مقبول بها. حتى وصل الأمر إلى ذكر لائحة بعدد من الأسماء من طوائف مختلفة، ما دفع بأحد نواب «المستقبل» إلى القول بجدية إنه إذا تبنّت المعارضة هذه المقترحات فإن الحكومة لن تبصر النور، مع أن قياديين في المعارضة ينفون جدية الأمر، إلا أنهم يسألون عن سبب اعتراض فريق 14 آذار المسبّق، وهل هم قبلوا باعتراض المعارضة على إعادة تكليف السنيورة، أم هم لا يقبلون أنه شخصية تمثل استفزازاً لجمهور المعارضة كما لقسم آخر من اللبنانيين.
لكن السؤال الخبيث جاء هذه المرة من مرشح سابق للرئاسة الأولى، إذ سأل عمّا إذا كان فريق 14 آذار قد تشاور مسبقاً مع الرئيس ميشال سليمان قبل تسمية السنيورة. وهو يزعم أن معلوماته تفيد بأن الامر لم يحصل، وأن فريق 14 آذار اتكل على عبارة يكررها الرئيس سليمان منذ أيام سبقت وتلت انتخابه، وهي أنه سوف «يقرأ في كتاب الدستور» أي إنه لن يعمد إلى إثارة أي موقف يتبيّن منه أنه يريد فرض معادلات سياسية مخالفة لقواعد الديموقراطية البرلمانية. لكن المرشح نفسه عندما سئل عما كان يفعله هو لو كان رئيساً أجاب:
«كنت أرسلت بطلب النائب سعد الحريري والرئيس السنيورة، وقلت لهما إنني أريد انطلاقة قوية لعهدي، وأنا ليس لديّ أي موقف شخصي من أحد، ولكن على الرئيس السنيورة أن يرتاح وهو أحد عناوين الخلاف، بمعزل عمّا إذا كان ظالماً أو مظلوماً، ومن ثم على الحريري إذا كان يشعر بأنها ليست اللحظة المناسبة لتولّيه هذه المهمة، أن يختار من كتلته من يقوم بهذا الأمر، ولكنت رشحت عمته النائبة بهية الحريري، وكانت ستحصل حكماً على تأييد أكبر بكثير من التأييد الذي ناله السنيورة». ويضيف المرشح: «إن تجارب الماضي تقول بأن طلباً من هذا النوع لا يمكن رفضه من جانب الكتلة القادرة على الإتيان برئيس للحكومة، وكان رفض طلبه سيفتح مشكلة مبكرة مع رئيس جديد».
لكن يبدو واضحاً أن اختيار فريق الأكثرية للسنيورة، يتصل بعوامل عدة، أبرز ما قيل تبريراً، هو أن السنيورة نفسه سوف يقدم نفسه إلى اللبنانيين بطريقة تختلف كثيراً عما كانت عليه صورته خلال العشرين شهراً الماضية، وأنه وافق على المهمة لأنه يريد أن يكون هو أحد عناوين التسوية وأحد عناوين المصالحة، وأنه لن يبقى في منصبه بعد الانتخابات النيابية، ولن يترشح للانتخابات، علماً بأن في تيار «المستقبل» من يدعو إلى ترشيحه عن المقعد السني في بيروت الذي يشغله الآن النائب بهيج طبارة باعتبار أن الأخير يواجه مشكلة منذ وقت غير قصير في التفاعل مع برنامج عمل النائب الحريري وبقية فريق 14 آذار.
ثم إن السنيورة نفسه عبّر عن هذا الأمر بطريقة مختلفة، وقال إنه يريد أن يمسح كل ما نسب إليه أو لصق به في المرحلة الماضية، وإنه لا يريد أن يظهر بمظهر المسؤول عن كل المشكلات التي واجهت البلاد خلال العامين الأخيرين، ولا حتى كأنه مصدر توتر العلاقات بين لبنان وسوريا. وهو قال كلاماً كثيراً في هذه المسائل، وإن موقفه من سلوك قوى المعارضة ولا سيما حزب الله لا يمنعه من إعادة التواصل بصورة تظهره في موقع رئيس حكومة لبنان، وهو مستعد لمد يد التعاون إلى أبعد مما يظن خصومه، وهو قال هذا الكلام لحلفائه في 14 آذار، وإنه قد يكون مستعداً أكثر لتغييرات حتى في فريقه، علماً بأن هذه النقطة سوف تظل قيد البحث، وخصوصاً بعد الدور الذي قام به أبرز مستشاريه رضوان السيد، الذي لم يتوقف عن تولّي أوسع عملية تحريض ضد معارضي الحكومة السابقة، ثم تولّي حملة تحريض ضد قوى المعارضة الآن، وقال كلاماً لم يقدر حتى السنيورة على تحمّله، وخصوصاً عندما تعرّض بلغة الشتائم للعماد ميشال عون والسيد حسن نصر الله وطريقة مقاربته الملف الأرمني. كذلك يبدو السيد متورطاً في كلام وتصرفات واجتماعات من النوع الذي يربك رئيس الحكومة، إلا إذا كان الأخير يرى ما قام به مستشاره في إطار الانفعال الذي واكب الأحداث الأخيرة، علماً بأن روايات السيد للأحداث الأخيرة التي يتنقّل بها من شاشة إلى شاشة، ومن صحيفة إلى صحيفة، تضمّنت مغالطات وأخباراً ليس لها أي مسند أو وثيقة، بدليل أن قناة «العربية» التي تولت دور وسائل إعلام تيار «المستقبل» خلال توقف الأخيرة عن العمل خلال الأحداث، فشلت في الوصول إلى وثائق تساعدها في حملتها التي قامت تحت عنوان «انقلاب حزب الله». حتى إنها تورطت في أحد التقارير عندما عرضت صوراً لمنازل تُحرق، وشبان يعتدون على أملاك خاصة، وقدمتها في سياق نقدها لسلوك المعارضة، علماً بأن هذه الصور مأخوذة من مدينة طرابلس حيث كان مناصرون لتيار «المستقبل» يعتدون على مكاتب ومنازل تخصّ قيادات وقوى من المعارضة.
لكن كل ذلك لا يلغي حقيقة أن السنيورة لا يحمل عناوين خلافية تعود إلى عهد حكومته المستقيلة، بل إلى عهد كل الحكومات التي كان وزيراً فيها، وخصوصاً أن نظرته إلى إعادة بناء القطاع العام وتصوراته للسياسات الاقتصادية والمالية والتنموية، لم تكن يوماً عنواناً وفاقياً، باعتبارها ظلّت على الدوام مواجهة لغالبية لبنانية تنتمي إلى كل المناطق وكل الطوائف، وإذا كان الانقسام السياسي والمذهبي القائم حالياً يجعل فقراء السنّة يرفعون صورة السنيورة كقائد، فإن السياسات الفعلية التي تظل تحت إبطه، سوف تفرض عليه مقاربة أخرى، وربما لن يفيده في هذه الحالة، سوى الدور الذي يخطط له النائب الحريري منذ الآن والذي يندرج تحت «حملة انتخابية مفتوحة من الآن وحتى موعد الانتخابات بعد عام».