strong>تعريف مجموعات الجهاد الناشطة داخل الأراضي اللبنانيّة والمخيّمات الفلسطينيّة
تبدّلت الأحوال في العراق من حكم صدّام إلى الاحتلال الأميركي. وفي لبنان، انطلقت الحمية بين الشبان السلفيّين المؤمنين بضرورة الجهاد، وبأنّه فرض عين. وبدأت «القاعدة» تنظر إلى البلد الصغير وضرورة استخدامه كموطئ قدم ومنجم للخبرات

فداء عيتاني
في الثامن من كانون الأوّل من عام 2003، وجّه القضاء العسكري الاتّهام إلى اليمني معمّر العوامي، الملقّب بـ«ابن الشهيد» والمتّهم بأنّه الرأس المدبّر لعمليات تفجير الماكدونالدز، بأنه مرتبط أيضاً بالرجل الثاني في تنظيم «القاعدة» الدكتور أيمن الظواهري
وُجِّه الاتّهام للعوامي بأنّه يتلقّى من الظواهري، عبر وسيط مصري قُتل لاحقاً، الأموال والتوجيهات لإنشاء خلايا لضرب المصالح الأميركيّة. وألقي القبض على العوامي أثناء محاولته الخروج من عين الحلوة بواسطة بطاقة مزوّرة، بناءً على نصيحة من مسؤولي «القاعدة» في السعودية وبريطانيا بضرورة مغادرته الأراضي اللبنانية إثر تداول اسمه إعلامياً بعيد توقيف أفراد شبكة «ماكدونالدز» وعلى رأسهم خالد العلي. وتلك كانت المرة الأولى التي تصل فيها القاعدة إلى القضاء اللبناني، وقبلها كانت مجموعة الضنية (1999-2000) التي تمت تصفيتها وزجها في السجن. إلا أنه لم يثبت قطعاً علاقتها بالقاعدة.
قبل ذلك بأسابيع قليلة، تكتشف السلطات الأمنية خلية للقاعدة، ويُتّهم إسماعيل الخطيب بتزعّم إحدى الشبكات. كان الزمن هو زمن غزو العراق، والخطيب كان قد انسحب من إحدى الدعوات السلفية ليعمل وفق قناعاته في دعم الجهاد، مسهّلاً العبور من لبنان الى العراق رجالاً وأسلحة وخبرات، ولكن الخطيب نفسه لم يكن بالرجل القيادي، وتحوّل فجأة إلى السلفية ملتزماً بإحدى الدعوات الوهابية، بحسب ما يتحدث أقرباؤه.
عام 2003، قُتل قريب إسماعيل، علي الخطيب، وحسن صوانة على الحدود العراقية السورية بعدما وشى بهما المهرّب الذي تعهّد نقلهما الى العراق. «دامت المعركة مع الأميركيين 18 ساعة» بحسب والد أحد الشابين، الذي يقف في صقيع شتاء البقاع وغير بعيد عن الحدود اللبنانية السورية ليقول «الكل يتعاطف مع الشيخ أسامة، ولا يوجد سنّي ضد القاعدة، وإن كنّا أدرى بالأخطاء».
«الشبكات الأصوليّة كانت في البداية تعمل تحت نظر المخابرات السوريّة، وبغضّ طرف منها»، يقول أحد أفراد عائلة الخطيب، ويضيف شارحاً أنّ الوهابية ظهرت أوّلاً في قرى البقاع الأوسط، ثم انتقلت وهي تخوض صراعاً مع الإسلام التقليدي نحو باقي البقاع. ويُعد الشيخ عدنان امامة هو من شقّ طريق الوهابية، وانطلقت حركته من مجدل عنجر الى الرفيد الى باقي القرى، وصولاً الى القرعون. وكان هؤلاء مسالمين، إلا أن خشيتهم من المخابرات السورية والقمع اللبناني دفعتهم الى التسلّح للدفاع عن النفس، معلنين كذلك خوفهم من الاعتداءات الاسرائيلية. إلا أن إسماعيل الخطيب وعدداً من الشبان والمجموعات انشقّوا عن الشيخ امامة واتجهوا نحو دعم الجهاد في العراقبعد عام من مقتل الخطيب، وفي خريف عام 2005، اتّخذت قيادة القاعدة في العراق ودول الجوار قراراً باستخدام لبنان أرضية لعقد اللقاءات والاجتماعات وتسهيل النشاطات الجهادية، تحت غطاء عدد من الجمعيات المحلية، وجرى العمل سراً، منعاً لإثارة ردود فعل طائفية. إلا أنّ حركة السلفيين في لبنان كانت مريحة نسبياً، ما أغرى قيادة القاعدة بالعمل انطلاقاً من لبنان.
في تلك المرحلة، كان المسؤول المالي للقاعدة في الدول العربية الفلسطيني أمين أنيس ديب، الذي أوقف غيابياً لدى السلطات اللبنانية بتاريخ 15/10/2003 لاتهامه بتمويل تفجير الماكدونالدز، يرسل الحوالات الماليّة لأحد قياديّي الحركات الجهادية في عين الحلوة، ويتكفّل هذا الأخير بتوزيعها وفق خريطة متّفق عليها سلفاً، كما يرعى العديد من المشاريع الخيرية والتعليمية في عدد من المخيمات، ويقدم مساعدات لمجموعات جهادية متحالفة مع القاعدة أو مدعومة منها، من بينها تنظيم جند الشام وعصبة الأنصار، ويدعم معهد «مرشد» الإسلامي الذي يديره الشيخ عبد ح.، وهو والد أحد المعتقلين في شبكة الـ13، وعضو تجمع العلماء المسلمين. وهذا المعهد يتولى إعطاء الدروس الفقهية والجهادية، ويتعاون مع معهد «مؤمن الديني» في إندونيسيا برئاسة الشيخ الإندونيسي وحي الدين، الذي يعد الرجل الثاني في مجلس المجاهدين الإندونيسيين ونائب الزعيم الإسلامي أبو بكر باعشير.
حتى اللحظة، يشير ما هو متوافر من معلومات إلى أنّ القاعدة في لبنان والمنطقة تقوم على بناء هرمي وعنقودي. ورغم أنّ العديد من المجموعات الجهاديّة تُبدي اعتقادها بأنّه لا شيء يُدعى «تنظيم القاعدة» بالمعنى الكلاسيكي، فإنّ المتابعات اليوميّة والمعلومات تؤكّد وجود هذا التنظيم بهرميّة أمنية صارمة، تتعاون أو تتقاطع أو تستفيد من وجود مجموعات متحمّسة. وتختار القاعدة في كل دولة مشرفاً ومنسّق أنشطة، تحت إمرته مسؤولون محليّون. أمّا مجموعاتها فلا تتعدّى ستّة أشخاص للخليّة بينهم عنصر مهمّته الرفد بالوثائق والأوراق المزوّرة من بطاقات شخصية وأوراق سيارات وجوازات سفر.
في لبنان، تصنِّف العديد من الأوساط تنظيم جند الشام من ضمن مداخل القاعدة إلى البلاد. ويتزعّم التنظيم، المحصور في منطقة تدعى حيّ التعمير على طرف عين الحلوة، الشيخ الفلسطيني أسامة الشهابي الذي لم يصل إلى الأربعين من العمر. أما المسؤول العسكري لهذا التنظيم، فهو الفلسطيني عماد ياسين، المعروف بالعديد من الألقاب كأبو الوفا وعماد اللحبكي، وهو يلتزم بقرار عصبة الأنصار، وسيتحدّث في الحلقات اللاحقة باسمه، كما باسم غيره من العصبة، الشيخ وفيق شريف عقل أو «أبو شريف».
ويتزعّم اللبناني غاندي السحمراني، البالغ من العمر 44 عاماً، والملقّب بأبو رامز الطرابلسي، مجموعةً جهادية شبه مستقلّة أغلب عناصرها من شمال لبنان.
ويعتبر لبنان وعدد من الدول العربية المحيطة به بقيادة الدكتور الظواهري، يعاونه: السعودي أحمد إبراهيم التويجيري، أبو جعفر، وهو من مواليد عام 1979، واللبناني علي محمد قاسم حاتم، أبو بكر، من القرعون 1968، موقوف غيابياً لدى السلطات اللبنانية عام 2003، والفلسطيني أحمد علي العزية، مواليد 1972، ومطلوب للسلطات اللبنانية وأوقف غيابياً بتاريخ 15/10/2003، والمغربي الشيخ محمد صالح عجرودي، مواليد 1960، وموجود في أفغانستان، وهو معروف باسم الشيخ ظافر فرج الله آغا، والقيادي الفلسطيني أبو محجن، أو أحمد عبد الكريم السعدي، من مواليد 1967، وهو الأمير السابق لتنظيم عصبة الأنصار، ومطلوب للسلطات اللبنانية بموجب عدة مذكرات توقيف بتُهم متنوّعة، من بينها اغتيال الشيخ نزار الحلبي في بيروت بتاريخ 31/8/1995. ترك لبنان إلى العراق كما يشاع، وسلّم قيادة العصبة إلى شقيقه أبو طارق السعدي والشيخ أبو شريف، والأخير من مواليد 1968، من مخيم المية ومية في لبنان. يرد اسمه في العديد من التحقيقات مع شبكات اتهمت بالانتماء إلى تنظيم القاعدة في لبنان. ومن بين معاوني الظواهري أيضاً السعوديان خالد السعيفان، وسلطان الشيباني.
ويعمل القاعدة في لبنان، بشكل رئيسي، في العديد من المناطق ذات الكثافة السنّية حيث تتاح لها حرية الحركة والتدريب والاتّصال والتعبُّد.
في خريف عام 2006، كانت حرب تموز قد انتهت للتو، حين بدأ النشاط الجهادي يظهر، وبدأت ترد المعلومات عن تجهيز مئات المجاهدين العرب لأنفسهم للالتحاق بحرب اعتقدوها طويلة. ومع نهاية الخريف، بدأ الجهاديون يتركّزون في مخيمي البارد والبداوي لاعتبارات من بينها خوف الأصوليين من هجوم تنفذه فتح بالتنسيق مع الدولة اللبنانية وبغطاء عربي وغربي، للقضاء على الجهاديين في عين الحلوة ونشر الجيش في منطقة التعمير وإدخال الواقع الأمني للمخيمات في الجنوب تحت غطاء القرار 1701.

في حلقة الاثنين: من الجنوب إلى الشمال، بداية تشييد بناء «فتح الإسلام»


أمير البلاد
في نهاية شهر تشرين الثاني من عام 2006 يصل إلى مخيم عين الحلوة زائر مهم، هو أحد كوادر تنظيم القاعدة في المنطقة العربية، الأردني ممدوح الأحمدي، الذي يتنقل عادة بهويات وأوراق فلسطينية مزيّفة. يعقد الزائر عدداً من اللقاءات في مكتب عصبة الأنصار مع المسؤول العسكري أبو عبيدة وبعض كوادر العصبة الرئيسيين.
كان الزائر يجول على المنطقة، ويُبلغ من يلتقيهم بأنّ تنظيم القاعدة قد عيّن الشيخ السعودي جمال بن مكتوم الرفاعي مسؤولاً للتنظيم في الشرق الأوسط (تسلّم مسؤولياته في قيادة المنطقة في نهاية شهر أيلول من عام 2006)، وأنه بصدد دراسة زيارة لبنان بهدف العمل على جمع التنظيمات الجهادية تحت لواء القاعدة. كما أبلغهم بتحبيذ الرفاعي شهر الولاء علناً للتنظيم وقائده الشيخ أسامة بن لادن وأمير البلاد المعيّن حديثاً، خلال خطب الجمعة في المساجد التي تشرف عليها المجموعات الجهادية الموالية للقاعدة.