رنا حايكماذا كان سيفعل المناضل الأرجنتيني تشي غيفارا لو علم أنّ أحد مصمّمي الأزياء احتفل في ذكراه الأربعين بوضع صورته على البيكيني؟ أو أن صوره تملأ حانات الرأسماليين ويطبعها التجار على قمصان يرتديها جيل كامل من الشباب على بنطال «باغي» روّجت له موضة «الهيب الهوب» الأميركية، وهو لا يكاد يعرف شيئاً عن ذلك الرجل الأحمر سوى أنه يمنح محازبه ميزة تفاضلية عالية لدى جمهور الصبايا الـ«كوول»؟
يقول عالم الاجتماع الفرنسي إميل دوركهايم إن «الشّعار» يوحّد الجماهير ويُشعر الأفراد بأمان الانتماء إلى حشد ما. لكن المرحلة الحالية تشهد رواج القيم الرأسمالية وفي مقدمتها قيم الفردية. في عالم معولم شهد كتابات عن «الهويات القاتلة» وبشّر بــ«صراع الحضارات»، وفي فوضى دلالات الألفاظ، حيث لم تعد مصطلحات مثل التحرر والمقاومة والإرهاب تحظى بالتعريف الموحّد، تحاول المجتمعات التمسك بشخصيتها ويحاول الأفراد التميّز، فيناقضون حكم دوركهايم إذ يصبح الشعار أداة للتفرد لا للانصهار. يزيد التصريح بالشعارات حين تقلّ ممارستها على أرض الواقع. نرددها ونلبسها بشكل ببغائي وآلي بعدما أفرغها عجزنا من معانيها. لماذا تزداد حاجتنا إلى التصريح، وخصوصاً في الأزمات؟ وهي ليست أزمات حريات فأساليب التعبير تزدهر اليوم في ظل الثورة التكنولوجية، لكنها أزمة أعمق، على مستوى الإحباط السياسي والقيمي. هي أزمة مرجعيات وقيم. نصرّح بآرائنا بالخط العريض على القمصان: قد تكون صرخة في وجه الضوضاء والفوضى المسيطرة على كل تفاصيلنا. لكنها أيضاً قد تكون مجرّد تعبير عن عصر تتحكم فيه الغرائز: فالمعلومة تطور العقل فتحرره إذ تخاطب التحليل والمنطق بينما البروباغندا والصورة والرمز تسلك طريق الإقناع الذي يحد من التفكير ويخاطب الغرائز والإدراك الحسي في أدمغتنا. ليس أن زمن الشعارات انتهى، لكن الصوت الخافت أصبح الأصدق اليوم وسط معمعة الهتافات الفارغة.