نادر فوز«فُلشت المؤامرة» وانفجر القتال بين «الرجعية» و «التقدميّة»، واليمين واليسار و«الانعزاليين» و«المحمودات» أو حزب الكتائب ومعه اليمين المسيحي من جهة، والحركة الوطنية المتحالفة والمقاومة الفلسطينية من جهة أخرى. لم تقدّم الأحزاب قراءاتها النقدية لتجاربها في الحرب، باستثناء الحزب الشيوعي (عام 1992). في ذكرى 13 نيسان، اليوم الرمزي لـ«الأهلية»، تؤكّد كل القوى التي أسهمت في إشعال هذه الشرارة رفضها اللجوء إلى السلاح مجدّداً.
وبالأمس كان أحد وجوه الصراع بين فكرة الدولة وفكرة المقاومة (الفلسطينية)، واليوم يراد للصراع أن يتخذ طابع التنازع بين مشروع الدولة وواقع المقاومة (حزب الله). «المنطق نفسه يتكرّر»، يقول المستشار السياسي للرئيس السابق أمين الجميّل، جوزف أبو خليل، إذ إنّ «الصراع قائم بين مقاومة ودولة على أرض واحدة»، مؤكداً أنّ على جهة واحدة مسؤولية إدارة البلاد.
ويشدّد أبو خليل على أنّ بعض الجهات اللبنانية تعلّمت وقامت بمراجعة لمواقفها وأعلنت خطأها، «حتى الفسلطينيون أذاعوا «إعلان فلسطين» واعترفوا بخطئهم واعتذروا عن الماضي».
ويؤكد أنّ العودة عن الخطأ والاعتراف به أدّيا إلى المصالحة، حيث اكتشف الجميع أنّ «تجربة الحرب مريرة. وتعلّمت الكتائب، مثلما تعلّم كل اللبنانيين، عبثية التقاتل وحرّموا على أنفسهم اللجوء إلى السلاح مهما حصل ومهما كلّف الأمر».
وبحسب أمين السرّ العام للحزب التقدمي الاشتراكي، شريف فيّاض، أجرى الحزب تقويماً داخلياً لمشاركته في الحرب، ومن خلاصاته «لا حرب تؤدّي إلى نتائج إيجابية، ولا أحد يأخذ خيار الحرب الأهلية إلّا أنّ الخيارات تُفرض عليه فيخوضها». ويعدّد فيّاض نتائج حرب عام 1967وانطلاقة الكفاح المسلّح ونتائج الانتخابات النيابية عام 1972 والمناخ السياسي في عهد الرئيس سليمان فرنجية وإقصاء المكتب الثاني، ضمن أسباب بدء الحرب اللبنانية، فـ«تحوّل الصراع الإقليمي إلى محلّي مستفيداً من أزمة لبنان السياسية»، ليضيف «تعلّمنا جميعاً دروس الحرب الأهلية، ورغم الهوّة السياسية الكبيرة لن نخوضها مرة جديدة رغم الرغبة الجامحة لبشّار الأسد».
ويقول فيّاض إنّ (الرئيس السوري) حافظ الأسد «استغلّ ملفات إقليمية وداخلية للدخول إلى لبنان، فكان دخوله الأول من خلال تنظيم الصاعقة والقوات الخاصة»، ليتأجّج الصراع، فـ«عقد اتّفاقات مع إسرائيل ونال تفويضاً أميركياً لدخول لبنان بغطاء الدول العربية».
وعن موقف الاشتراكي حينها، يرى فيّاض أن «عدم وضوح الرؤية وتعثر الحوار الداخلي منعا اللبنانيين من كشف مخطّط الأسد».
وعن الوضع الحالي، يرفض فيّاض تشبيه لبنان اليوم بلبنان 1975، و «الأسس والمعطيات مختلفة والظروف والأولويّات تغيّرت»، وثمة تقارب وتعاون سياسي وتقبّل للآخر بين القوى، نافياً أن يكون التحالف مع أخصام الأمس رسالة اعتذار إلى حلفاء اليوم.
أما رئيس المجلس الوطني في الحزب الشيوعي، موريس نهرا، فيشير إلى أنّ أهم خلاصات القراءة النقدية تتمثل أولاً بأنّ الحرب الأهلية لا تخدم أحداً، وهي قادرة على التحوّل سريعاً إلى انقسام طائفي عمودي، إضافةً إلى العوامل الخارجية التي استغلّت الضعف الداخلي.
وثانياً، تحوير مشروع الحركة الوطنية «التي انساقت إلى شعارات طائفية تناقض خطّتها للإصلاح السياسي»، مؤكداً أنّ الحزب الشيوعي لن يكون جزءاً من مجابهات أهلية عنيفة ودموية تنخرط تحت أي طائفة أو جهة.
وثالثاً، تطرح هذه القراءة ضرورة إزالة الأسباب التي تسمح بتكرار هذه الحرب، أي: الإصلاح السياسي.
ويشدّد نهرا على نهج «الحركة الوطنية» الدفاعي منذ عام 1975 وحتي 16 آذار 1976، «حين بدأت الحرب في الجبل، دون أن تكون الحركة قد خطّطت لهذه الحرب»، فيما يرى شبهاً كبيراً بين الوضع الحالي وما سبق عام 1975، لأن «بنية النظام الطائفي وعدم الاستقرار والمشاريع الخارجية تنقضّ من جديد على لبنان».
ويكمل نهرا شارحاً أنّ معارضة المشروع السابق لعزل لبنان عن محيطه العربي تغيّرت، فـ«الملوك العرب يسيرون بعنوان الاعتدال في صلب المخطط الأميركي»، وأصبح في المنطقة «عروبتان أو
عربان».
«موضوع الحرب الأهلية لازم كل مؤتمراتنا الحزبية»، يقول رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي علي قانصو، وخاصةً «بعد الحرب، لقراءة دور الحزب والأخطاء التي وقعت فيها الحركة الوطنية»، مشيراً إلى أنّ النقاشات لا تزال مستمرة. ويسجّل قانصو أنّ «القومي لم يشارك لنصرة طائفة واشتبك مع كل محاولات التقسيم، والحركة الوطنية لم تعكس مشروعها وذهبت نحو تسويات طائفية».
واليوم الصراع على هوية لبنان ودوره هو نفسه. كذلك التجيش الطائفي والمشاريع الخارجية للبنان. باختصار، يقول قانصو، «بنية النظام الطائفي قاسم مشترك ما بين الأمس واليوم، والأفضل السير في تسوية تثبّت الخيارات التي حدّدها الطائف». وبالطبع يؤكد قانصو موقف الحزب القومي الجذري الرافض لأي حرب أهلية، ومعلناً أن «مشروعنا قائم على مشروع الدولة والسلم الأهلي، فالعلمانيون هم الأكثر تضرراً من هذه الحرب».