تفاحتا ــ كامل جابرمنح النفوذ الإداري والموقع المحلي رئيس بلدية تفاحتا (الزهراني) أحمد كوثراني، همّة في استباحة تلة من تلال بلدته الرائعة وحرمانها التناسق البيئي، وتحويلها إلى منجم لاستخراج الصخور الكلسية، مشرّعاً بابها نحو معمل «سبلين» عبر مئات الشاحنات التي باتت تذرع طريقها الملتوية النادرة في منطقة حرجية بامتياز ذهاباً وإياباً.
قد يبرّر البعض في بلدة تفاحتا، أن رئيس البلدية حرّ في استخدام أحد العقارات التي يملكها في أي وجهة يشاء، لكن البعض الآخر يأسف للتناقض الحاصل بين موقع رئيس البلدية، الذي يجب أن يجعل الموضوع البيئي وحماية الطرقات والخطر الداهم على الأحراج المحيطة في أولويات اهتماماته وقضاياه، وبين أن يتحول هو بالذات إلى جهة تطيح المعايير البيئية والطبيعية من أجل مصلحة شخصية.
نحو 12 آلية وجرافة من الحجم الكبير تعمل منذ نحو ثمانية أشهر على «نهش» العقار رقم 470 العائد إلى رئيس البلدية، وتحديداً في منطقة «بدادا» عند الجهة الجنوبية الغربية لبلدة تفاحتا، التي تعدّ من أجمل المناطق الحرجية والطبيعية في منطقة الساحل الجنوبي، إن لم يكن في المنطقة الجنوبية بأكملها. فيما تقوم أكثر من مئة شاحنة، يومياً، بنقل المواد المستخرجة نحو منطقة سبلين، بين صيدا والجيّة، عبر طريق ضيقة وشديدة التعرج بين سلسلة من الجبال الحرجية مخلّفة في الطريق حفراً، يجري ترقيعها بين الحين والآخر، فضلاً عن الغبار الكثيف الذي بات يكوّن طبقة بيضاء على الأشجار القريبة من الطريق، ما يهدّد بقطع الهواء عن براعمها وبالتالي يباسها.
يشير صاحب منتجع «بدادا» السياحي المحاذي لطريق تفاحتا المهندس سليمان سليمان إلى أن موقع بدادا بين الساحل وتفاحتا بات «حسناء يتحرش بها الكل لغاية في نفس يعقوب، فمن أصحاب النفوذ من مالكي البساتين المجاورة الذين أحاطوها بمشاتي الماعز والزرائب المستقدمة من البقاع وسوريا بغية الاستفادة من روثها؛ إلى أصحاب المسالخ في المنطقة الذين جعلوها مكباً لبقايا اللحوم والحيوانات النافقة وبالتالي محمية للحيوانات المفترسة والكلاب الضالة؛ إلى الذين أرادوها منذ مدة غير بعيدة مكباً لنفايات صيدا وجوارها لولا وقفة الأهالي وفعاليات البلدة؛ إلى اليوم، حيث يُعمل على استباحة المنطقة وتحويلها إلى محفار للصخور الكلسية بغية نقلها إلى معمل الترابة في سبلين، ما يسهم في تشويه هذه المنطقة الحرجية الجميلة، فضلاً عن تحفير الطريق وحرثها وتحويل هذه المنطقة الهادئة إلى منطقة حفريات وغبار وركام وطرقات محفرة».
ويؤكد سليمان رغبة أبناء المنطقة في بقاء هذه المنطقة محمية طبيعية، لأنها من المناطق البكر والنادرة الموجودة على الشاطئ اللبناني، متوسطة محيطاً كبيراً يتألف من بلدات العاقبية والبيساريه وقعقعية الصنوبر والغسانية وكوثرية السياد وتفاحتا وزفتا والمروانية ومعمرية الخراب والنجارية والداودية والعدوسية.
ويرى سليمان نفسه «عاجزاً أمام تحويل المنطقة والطريق والأحراج إلى محفار و«مغبار»؛ بعد تصدينا لمكب النفايات والسهر على حماية الأحراج بإمكاناتنا المحدودة، ثم ما زاد الطين بلة إحراق أهرام مشروعنا السياحي المميز والفريد؛ وكأنه كتب على هذه المنطقة أن تبقى في مهب عواصف المستفيدين من أصحاب السلطة والنفوذ المادي والسياسي!».
يدافع محمد صالح، صاحب ورشة للجرافات والحفارات عما يقوم به رئيس البلدية «فهو حر في أرضه ويقوم بتحسين المنطقة، فبدل أن تكون المساحة القابلة للاستفادة نحو 50 دونماً، ستكون بعد عملية استصلاح الأرض التي يقوم بها رئيس البلدية احمد كوثراني نحو 170 دونماً، ما يتيح قيام التجمعات السكنية والمعمارية، ويمكن عندها أن أشتري شقة لابني، ويمثّل باب فرج سكني لأولادنا، مع أنني غير مستفيد الآن من مشاريعه هذه. أما الطريق، فإن خربت يمكن إصلاحها، وقد وعد رئيس البلدية بذلك؛ صحيح أن المستفيد الأول من مشروع الحفر هو رئيس البلدية، لكن أبناء البلدة يستفيدون بشكل غير مباشر».
ويمثّل الأمر باب أخذ ورد وجدل في تفاحتا، وقد انتقل جزء من الصراع إلى نقاش داخل البلدية، وإلى «تسييس» البعض لحركة الاعتراض على ما يقوم به رئيس البلدية أو للجهة المؤيدة؛ إنما يشير سائقو سيارات الأجرة إلى أنهم باتوا يتنقّلون بحذر شديد على الطريق الرئيسية والوحيدة التي تربطهم بالساحل وبمنطقة الزهراني، خشية أن تجتاحهم شاحنة من أصل مئة أو أكثر تتحرك يومياً على الطريق الشديدة المنعطفات «الخطرة».
ويتحدث أحد المتابعين للقضية من آل زبيب عن «أن الأهالي انتظروا عشرات السنين بعدما كانت لهم طريق ضيقة رصفت حجراً حجراً، حتى صارت لهم طريق مميزة نوعاً ما، كلفت أكثر من مليار ليرة منذ نحو عشر سنين، وتولت البلدية أمر توسيعها على نفقتها؛ وإذا بها تكون في خدمة آليات وجرافات وشاحنات المستفيد الأول والأخير من المشروع، رئيس البلدية، بدلاً من أن تكون في حمايته، وأن يكون المدافع الأول عنها وعن حمايتها؛ وإذا كان يستخدم نفوذه كرئيس للبلدية لمآرب ذاتية فإلى من نلجأ في هذه الحال؟».