البقاع الغربي ـ فيصل طعمةيواجه المعلم سيل الأسئلة الاستقصائية من طلابه لمعرفة هويته السياسية. وعلى رغم مهارته في عدم المزج بين رسالته وانتمائه، وتركه السياسة خارج حرم المؤسسة التربوية، لكن ألوان ثيابه واختيار ملابسه بدأت تروي ظمأ الطلاب السكارى بالجو السياسي القائم، لتحديد الهوية التي ينتمي إليها، ما حوّل المعلم «من مدرّس، إلى مُستجوَب». «لماذا ترتدي اللون الأزرق؟ ولماذا الأصفر؟ ولماذا البرتقالي؟ أو لماذا الفستقي؟ والأحمر؟... حتى كره الألوان. ولكن، ماذا يرتدي؟ أيرتدي أم لا؟».
يتحدث قاسم رعد عن تجربته في السنوات القليلة الماضية، فيلفت إلى «أنّ دخولي إلى المدرسة بات يشبه دخولي إلى محكمة، حيث أواجه أسئلة تحليلية، كقاضٍ ينتظر هفوة، ليقوم باستدراجي، وإصدار حكمه، لقد تشتتت أفكار الطلاب، وانحرفت بعيداً عن الدور الذي يفترض أن يؤديه الطالب تجاه نفسه، ومجتمعه ووطنه، فعندما تسأل طالباً عن سبب عدم قيامه بواجباته، يجيبك دون تردد: كان عنّا تظاهرة
مبارح».
وبما أن المعلم في صفه يشبه وقوف مطرب أو ممثل على خشبة المسرح يؤدي مسرحية من نوع «one man show»، كما الفنان رفيق علي أحمد في «الجرس»، تنصبّ عيون الطلاب على المعلم وثيابه، وينشغل بالهم في البحث والتمحيص، بدلاً من التركيز على فحوى كلامه وما يكتب على اللوح، ويكبر حظ المعلم كلما حصل على رضى الطلاب، وأحسّوا بقربه من انتمائهم السياسي أو تطلعاتهم. ولكن يبقى المصاب الأعظم إذا فهموا العكس، فإن سَلِم هو، لن تسلم سيارته، من خدش هنا، أو تفريغ الهواء من إطاراتها هناك.
والمفارقة أنّ أحد المعلمين اكتشف أن طلابه، يعرفون أسماء زعماء سياسيين، أكثر بكثير مما يعرفون أسماء أساتذتهم وزملائهم، وأكثر من الكتّاب وأصحاب النظريات في مناهجهم التعليمية. فلماذا لا يقوم الزعماء السياسيون مقام المعلم، بتعليم من يؤيدونهم سياسياً؟ فالطلاب يسمعون لهم أكثر مما يسمعون لمعلميهم.