strong>يتابع 250 طالباً لبنانياً دراستهم في جامعة حلب، بعدما تعذر التحاقهم بالجامعة اللبنانية التي تعتمد في غالبية كلياتها اللغة الفرنسية، فيما يحول الحاجز المادي دون انتسابهم إلى الجامعات الخاصة. يشعر الطلاب بالغربة في المدينة حيث المشاكل تبدأ بالعلاقة مع الجيران ولا تنتهي بالعلاقات مع الزملاء السوريين
هبه حسن
جمع حلم دراسة الطب والصيدلة والهندسة طلاباً لبنانيين في مقهى «الشهباء روز» المقابل لجامعة حلب. كانوا يستمعون باهتمام إلى شرح زميلهم الأكثر خبرة بشأن التأقلم مع الحياة والدراسة في المدينة. يطمئنهم باسل (سنة خامسة طب بشري) إلى أنّ التحدي يكمن في تخطي السنة الأولى، و«على كل حال الغربة صعبة، لكن قرب المسافات بين لبنان وسوريا يخفف من تبعاتها».
تبدو هذه السهرة جزءاً من يوميات الطلاب اللبنانيين الذين يتقاسمون مشاكل عدة دفعت بعضهم إلى العودة إلى لبنان. فماذا عن مجيئهم إلى حلب؟ لم يكن قرار السفر سهلاً للطلاب، وخصوصاً أنّ الاختيار وقع على بلد تسيطر الهواجس فيه على الطالب اللبناني أكثر من التطمينات. وتتنوّع أسباب السفر إلى سوريا بين الصدفة والرغبة في دراسة اختصاص غير متوافر في لبنان، وبين اليأس من الخيارات هنا. فقد قصد حمزة (سنة خامسة هندسة كهرباء) سوريا بالذات لأنه تسنّىت له دراسة ما يرغب بأقل كلفة ممكنة، مقارنةً بما كان سينفقه على جامعة خاصة في لبنان. ويرى حمزة أنّ قرب المسافات بين لبنان وسوريا يميّز الدراسة في سوريا عن غيرها من البلدان. في المقابل، اختارت ريمي (سنة أولى طب بشري) الذهاب إلى سوريا بعدما نفدت أمامها الخيارات في لبنان، «فرغم أنني حصلت على معدل 17,5 في الامتحانات الرسمية إلا أنه لم يكن أمامي سوى البقاء في كلية العلوم في الجامعة اللبنانية على أمل النجاح في امتحان دخول كلية الطب أو دراسة الطب في سوريا». أما مجيء عبد الرحيم المصري (سنة أولى طب بشري) إلى سوريا فقد كان بمحض الصدفة «لقد قدّم إلي والدي طلباً لمنحة طب في سوريا، ولم أكترث للأمر، فتسجلتُ صيدلة في جامعة LIU، لكن عندما قُبِل طلبي في سوريا أقنعني الجميع بأنها الخيار الأفضل رغم أنني قدمتُ طلبي على أساس الذهاب إلى الشام لا حلب».
اللغة العربية عائق
إلّا أنّ الطلاب اللبنانيين يواجهون صعوبة دراسة مادة الاختصاص باللغة العربية، وخصوصاً في السنوات الأولى. فالطالب في السنة الأولى في كلية الطب سامي رسول اشترى قاموساً من العربية إلى الإنكليزية ليستطيع ترجمة المصطلحات العلمية التي يتعسّر عليّه فهمها. ويقول: «لم يراعِ معظم الأساتذة وضعنا، وقد رفض أحدهم طلبنا بترجمة بعض التعابير».
في المقابل، يلفت باسل عثمان (سنة خامسة طب بشري) إلى أنّ «حاجز اللغة سرعان ما يسقط بمجرد أن يتخطى الطالب السنة الأولى»، مشيراً إلى «أنّ العديد من الأساتذة والطلاب السوريين ساعدوني على فهم وترجمة بعض المصطلحات من العربية إلى الإنكليزية».
في هذا السياق، ترتبط صعوبة فهم اللغة العربية بمشكلة التأخير في قبول طلبات اللبنانيين كل عام. وقد حُرم الطلاب اللبنانيون بسبب هذا التأخير، بعض المواد التي تغيبوا عنها وهم يأملون حالياً أن تعدّ هذه المواد «إدارية»، بمعنى أنهم يستطيعون تقديمها العام المقبل.
الطائفية تلحقهم إلى حلب
وإذا كانت مشكلة اللغة أساسية، فهذا لا يعني أنّه لا تتفرّع عنها مشاكل تضاهيها في الأهمية بالنسبة إلى الطالب اللبناني. وأكثر ما يُزعج صفاء مخ (سنة أولى هندسة اتصالات) الانغلاق في حلب «فحلب حالة خاصة دون غيرها من المدن السورية لجهة عدم تقبلها للغرباء، والدليل أنني أتردّد بشكل دائم على مدينة حمص لزيارة أقاربي هناك، لكن الجميع هنا ينظرون إليّ دوماً على أنني دخيلة».
أمّا نادين نصر الدين (سنة أولى طب بشري)، فتخشى أحياناً من نظرات البعض إليها كفتاة لبنانية، وتحاول أن لا تتعاطى مع الجيران «فالعديد من السوريين الذين تعرّفت إليهم في البدء حذّروني من الاختلاط مع غير السوريين».
من جهة أخرى، يشكو حسن عاصي (سنة أولى هندسة اتصالات) من الطائفية في حلب «التي تضاهي الطائفية في لبنان، فبعض السوريين سواء كان سائق التاكسي أو أحد الجيران... يسألني عن ديني قبل معرفة اسمي».
غلاء المعيشة
«إنّ تخصيص مبلغ مئة دولار شهرياً يضمن لي العيش كأميرة في حلب»، بهذه العبارة تسترجع ملاك حسن (سنة أولى طب بشري) باستهزاء أقوال من طمأنها في لبنان إلى أنّها ستحصل على صفقة مثالية بذهابها إلى حلب، فهي لن تدرس الطب فقط بل ستؤمّن كل ضرورياتها من مأكل وملبس بمئة دولار فقط. وتؤكد أنّ إيجار المنزل وحده يكلّف 350 دولاراً شهرياً. وتبرّر ريمي أبو العز، التي تشارك ملاك الشقة سبب استبعادهما السكن الجامعي رغم تكلفته البسيطة «بأنه كعلبة السردين، فكل ثلاثة أشخاص يسكنون غرفة يبلغ طولها ثلاثة أمتار، وهناك حمام مشترك لحوالى عشرين غرفة». وتضيف «اضطررنا إلى استئجار شقة حتى نستطيع التركيز على دراستنا فنحن طلاب طب في النهاية».
ويحاول حسين مروّة (سنة أولى هندسة اتصالات) التحكم في مصروفه الشهري الذي يبلغ أحياناً 700 دولار «فأنا أصرف هنا أكثر مما كنت سأنفقه على جامعة خاصة».
وعن الطرق التي يأتي من خلالها الطلاب اللبنانيون إلى حلب، يعدّد منصور الأحزاب المسؤولة عن تقديم المنح للطلاب اللبنانيين وهي «حزب البعث، الحزب السوري القومي الاجتماعي، حزب الله، حركة الناصريين الأحرار، وحركة أمل، إضافةً إلى طلاب التبادل الثقافي بين الحكومتين اللبنانية والسورية».
ويشكو الطلاب اللبنانيّون من إهمال معظم الأطراف الحزبية والرسمية لهم «حتى مسألة المواد الإدارية تحلّ من خلال العلاقات الشخصية للطلاب»، يقول حكمت الزين (سنة ثانية طب بشري)، لافتاً إلى «أننا منسيّون من دولتنا، على عكس الاهتمام الكبير الذي يلقاه الطلاب العرب من سفارات دولهم في سوريا، فالاتحاد هو أقوى سلطة لنا في لبنان رغم أنه ضعيف مقارنةً بالاتحادات العربية الأخرى».
لا تمنع المشاكل العديدة والحلول المعلّقة الطلاب اللبنانيين من التمتّع بأوقات فراغهم، من خلال التردد بشكل دائم على قلعة حلب التاريخية وإقامة السهرات المشتركة، على غرار حفل التعارف الذي نظّمه الاتحاد للطلاب اللبنانيين الجدد. كما يشارك الطلاب في النشاطات الرياضية كمباريات كرة القدم التي تُقام كل يوم خميس في حرم الجامعة.
وكان بعض الطلاب قد أنشأ مجموعة على موقع فايسبوك «A7LA BNANIEH BI 7LAB»، يعرضون فيها لأبرز النشاطات التي تُنظّم، إضافةً إلى مناقشة المشاكل والحلول المقترحة.