دمشق ـ أرنست خوريالتزم الجميع بالتعليمات، فتغطية الجلسة العلنية الوحيدة في أعمال القمّة فرصة تستحقّ التضحية ببعض ساعات النوم. كان متوقّعاً أن تكون القيود على حركة الإعلاميين مشدّدة، على غرار ما حصل في اجتماع وزراء الخارجية يوم الخميس الماضي. صعد الجميع في حافلات كبيرة (بولمانات) وإذا بالمفاجأة تصعق الجميع. فمنذ اللحظة الأولى لانطلاق المواكب، انتشرت شائعة تفيد بأنه لن يُسمَح لأحد بأن يحضر الجلسة العلنية باستثناء المصوّرين (فيديو وفوتوغراف) وحاملي الدعوات الرئاسيّة. حتّى إنّه تأكد بأنّ عدداً كبيراً من هذه الدعوات أُلغيَ لخفض عدد الحاضرين داخل القاعة الرئيسية.
وعندما توقّفت الحافلات عند باب المركز الإعلامي، تأكّد الخبر ـ الفجيعة، وسُمعَت تمتمات التذمّر على ألسن الجميع بما أنه «كان من الأفضل أن نشاهد ونستمع إلى الخطابات من على شاشات تلفزيونات الفنادق». ومع تزايد حدّة التذمّر إزاء هذه الخطوة التنظيمية التي لم يتطوّع أحد من اللجنة المنظّمة لتبريرها، ردّد بعض مراسلي مؤسّسات أجنبية، أخباراً عديدة، بينها أنّ الحافلة التي أقلّت وفد تلفزيون «المنار»، توقّفت عند إحدى النقاط داخل المنطقة المعزولة، والتي تضمّ المباني المخصّصة لفعاليات القمّة، وأنزلت فريق عمل هذه المحطة لتقوم حافلة آخرى بنقلهم إلى قصر المؤتمرات وتكمل الحافلة الرئيسية سيرها نحو المدينة الإعلامية.
كان محظوظاً من وصلت حافلته باكراً إلى هذا المركز ، إذ استطاع على الأقلّ أن يجلس على جهاز كومبيوتر، أو حتّى استطاع أن ينتشل كرسيّاً من دون مناكفات أو صراخ وتوسّل. انقسم الحضور حينها إلى جزءين: الجالسون والواقفون. الفئة الأولى لا تجرؤ على ترك مقاعدها لكي لا تُسرَق، والفئة الثانية تتحيّن الفرصة لاحتلال مقعد وجهاز كومبيوتر.
أمام هذا الواقع، كان لا بدّ لعشرات الإعلاميين من الجلوس أرضاً إلى حين التمكّن من صيد وفير والانقضاض على كرسيّ هنا أو هناك. هكذا، فإنّ الإشادة التي أعرب عنها معظم الإعلاميين في الأيام السابقة إزاء العدد الكبير من الأجهزة الإلكترونية الموجودة في المركز، تحوّلت إلى موجة عامّة من الانتقادات اللاذعة للمنظّمين.
انتظار بدء إلقاء الكلمات طال. لكن ما إن افتتح الرئيس السوري بشّار الأسد الجلسة، حتى تحولت قاعة الإعلاميين إلى حفلة تصفيق، أبطالها كانوا الصحافيين السوريين ومراسلي وكالة الأنباء السورية «سانا» ورجال الأمن الكثر الذين كانوا في المركز.
الرتابة التي رافقت كلمات باقي المتحدّثين في الجلسة، كسرها الزعيم الليبي معمّر القذّافي، الذي كان، وربما للمرة الأولى في سوريا، النجم الأوّل ومن دون منازع، وسرق البريق الاستعراضي حتّى من الأسد نفسه.
فالقذّافي، وبطريقته المعهودة في إلقاء كلماته المرتجلة الممزوجة بسخرية وهزء وشعبوية ونكات أحياناً، حرّكت ضحكات الحاضرين الذين نادراً ما يبتسمون، وخصوصاً هؤلاء الذين يحملون بطاقات «الأمن».
مع مرور الوقت، خفّت الزحمة على المقاعد وأجهزة الكومبيوتر. لكن آن أوان سرقة من نوع جديد. فهذه المرّّة، المعارك بطلها من يستطيع سحب الكلمات المطبوعة من أيدي المسؤولين عن تصوير ونسخ الخطابات والذهاب بها سريعاً نحو أجهزة الفاكس لإرسالها إلى مكاتب مؤسّساتهم في الخارج. وهنا عقبات جديدة: فاكس لا يعمل، فاكس لا يصل، فاكس يضع دائماً علامة «ready» لكنه لا يوصل الرسالة.
في هذه الأثناء، وفي غضون دقائق، خرج نحو 80 من الإعلاميين فجأة من القاعة، ليتبيّن أنّ «مؤامرة» دبّرها أحدهم وانتهت بنجاح، إذ تمّ نقل هؤلاء إلى فندق إيبلا، مقرّ وزراء الخارجيّة العرب، علّهم يستطيعون «سحب» ولو كلمة من أفواه وزير أو مساعد وزير أو عضو وفد أو أيّ شيء يزيّن خبر صحيفتهم أو تقرير تلفزيونهم.
في العموم، كان يوم أمس بالنسبة إلى الصحافيين العرب والأجانب، يوماً لمشاهدة ما جاؤوا لتغطيته مباشرة، لكن من خلف شاشة تلفزيون. يوم اختصره كثر بالقول: «هذه ليست المرة الأولى التي نحضر فيها قمماً عربية، لكنّ دمشق لم تحسن معاملة ضيوفها بما أنّه كان هناك ناس بسمنة وناس بسكّر».