دمشق ـ سعاد جروسصفاء محمد، مراسلة قناة «أي إن بي»، وهي أمّ لطفلين أصغرهما لم يتمّ عامه الأول، عندما تُسأل عنهما تقول إنها «لم ترهما منذ أسبوع، فهي تغادر صباحاً قبل استيقاظهما وتعود في قت متأخر ويكونان نائمين، وفي آخر مكالمة مع زوجها قال لها: زوّدتيها كتير».
راضي محسن، صحافي في جريدة «الوطن» السورية ومتزوج من فترة قريبة، خيّرته عروسه بينها وبين القمة. قال «اخترت القمة لأنها إذا ذهبت لن تعود، بينما زوجتي بإمكاني ترضيتها لاحقاً». صالح الشين، مراسل وكالة الأنباء الليبية، تعوّد أولاده على غيابه الطويل كل أيام الأسبوع، ما عدا بوم الجمعة المخصص لهم، ولذا أعلنوا عليه الثورة يوم الجمعة الماضي عندما رأوه يتأهب للخروج، وقد ظنوا بداية أنه سيصطحبهم بنزهة خارج المدينة. وعندما علموا أنه ذاهب إلى القمة قاموا بثورة احتجاجية، تدين هذا العمل.
الأمر مختلف عند الإعلاميين المتزوجين من الوسط الإعلامي. جورج كدر وزوجته لور ديب أرسلا ابنتهما الصغيرة إلى الأهل في حمص، ليتفرغا تماماً لتغطية أعمال القمة. كذلك فعل أنس أزرق وزوجته المذيعة رنا ديب، إذ تركا ولديهما جودي وجواد مع (العاملة) الأندونيسية في المنزل، بإشراف الأهل، لكونهم يسكنون في مكان قريب. لكن ذلك لم يمنع احتجاج جودي (10 سنوات) التي سألت والديها: «أليس في حياتكما غير الشغل».
يأسف أنس للظروف الصعبة التي تفرضها طبيعة عمله وزوجته رنا، فهما «يظلمان الأولاد في الغياب والحضور، فحتى عندما يكونان في المنزل يتابعان الأخبار طيلة الوقت وبشكل لا يسمح للأولاد بمتابعة الرسوم المتحركة أو أي برامج ترفيهية أخرى، حتى تقليد الوجبات يبدو مضطرباً وهناك اتكال شبه دائم على الوجبات السريعة والطعام الجاهز».
قد يكون عساف عبود، مراسل إذاعة الـ«بي بي سي» من الإعلاميين القلّة المحظوظين بعائلة تشجع وتدعم عمله. لكن إلى أي حد عائلته محظوظة به؟ فهو في حالة إعلان النفير العام للعمل خلال أيام القمة وخارجها. دائماً يتحدث عبر الهاتف ويشغل البيت معه؛ فبينما تعتني زوجته الطبيبة نهلة بتهدئة أعصابه والاستماع إلى قصص مشاكل العمل كل يوم، يتولى ابنه طارق (17 عاماً) مهمة تتبع ظهوره في الإذاعة والتلفزيون ومساعدته بالأمور التقنية وإبداء الملاحظات على ذلك؛ «البيت يضبط إيقاعه على لحظات الفرح بالإنجازات الإعلامية أو لحظات الغضب من المنغصات العابرة. وقد يمتد تأثير العواصف والنسائم العسافية إلى محيط الأصدقاء والزملاء المقربين إلى ساعات متأخرة من الليل. وتشتد التأثيرات في حالة التأهب التي ترافق أحداثاً كالقمة».
الإعلاميون العازبون مشكلاتهم أقل؛ فداليا حيدر تقول إن أهلها تعوّدوا على طبيعة عملها ولم يعد أحد يسألها: متى تذهبين أو تعودين. ومسألة الأكل تحل بسندويش أو قطعة شوكولا.
أما الإعلامية التي تسكن وحدها في دمشق بعيداً عن الأهل فلا مشكلة لديها سوى في حالة الفوضى التي تعم المنزل طيلة فترة غيابها، إذ تجد الغسيل يتكوّم، والكتب والأوراق والصحف تعقد دبكتها الصاخبة في كل ساحات المنزل؛ طنجرة المعكرونة التي طبخت قبل القمة هي المتضرر الوحيد إذ لم تنل نصيبها من الاهتمام والالتهام، ومكثت تغالب الملل ريثما يتحدد مصيرها بالترحيل.