نقولا ناصيففي انتظار أن يصدر موقف رسمي، كيف قرأت حكومة الرئيس فؤاد السنيورة نتائج القمة العربية في دمشق وقراراتها الختامية؟
بحسب مصادر حكومية بارزة، فإن ما خرجت به القمة يعكس الظروف التي رافقت انعقادها وأفضت إلى إعلان عادي، وإلى عدم تحديد آليات متابعة لقرارات كانت قد اتخذتها القمة، فضلاً عن عدم رسمها أطر معالجة الخلافات العربية ـ العربية التي اعترف بواقعها الرئيس السوري بشار الأسد ووزير الخارجية وليد المعلم، وألقت ظلالها على أعمال القمة، وعدّها الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى الهدف المحوري لمهمته في المرحلة المقبلة. على أن الأسد والمعلم لم يتردّدا في تحميل القمة عنوان «السعي إلى التضامن العربي». وهي إشارة إلى وطأة الخلافات العربية ـ العربية على المداولات. يحمل ذلك المصادر الحكومية البارزة على تقويم نتائج القمة بما يتناسب وظروف التئامها، مع الأخذ في الاعتبار مبرّرات الموقف اللبناني المقاطع، تبعاً لملاحظات:
أولاها، أن مقاطعة القمة لم تشأها حكومة السنيورة موقفاً درامياً بمقدار ما انطوت على أسباب بعضها غير معلن وذو طابع أمني يتصل بوجود السنيورة في دمشق وسلامته، وبعضها الآخر المعلن أن ما خاطب به السنيورة الزعماء العرب، عشية القمة، تتطلّب جدّيته أن يصدر عن مسؤول رفيع. على أن المسؤولين اللبنانيين كانوا قد تبلّغوا من الجامعة، قبل ساعات من حسم لبنان قراره بالمقاطعة، في جلسة مجلس الوزراء يوم 25 آذار، بأن الدولة المضيفة قصرت الكلمات في افتتاح القمة على رئيسها والأمين العام للجامعة ورئيس المؤتمر الإسلامي كأحد ضيوف القمة. كانت هذه إشارة إلى أن لا كلمة للبنان إذا حضر. بذلك كانت المقاطعة أحد خيارين حظي أحدهما، وهو التغييب، بتأييد الغالبية. كان المطلوب إيصال رسالة بدأت في اجتماع وزراء الخارجية العرب في 5 آذار واستكملت في القمة.
ثانيتها، أن غياب زعماء عرب هم أفرقاء مباشرون في الخلافات العربية ـ العربية مثّل سبباً لعدم الخوض في هذا الموضوع، أو في أحسن الأحوال وضعه في عهدة زعماء عرب آخرين ليسوا أطرافاً فيه ولا هم على تماس معه، فلم يقدموا على وضع آلية حلّ هذه الخلافات التي خرجت بها القمة على نحو التئامها في ظلّها. لم تؤلف لجان متابعة، ولا فُوّض إلى وزراء أمر التوسّط. فإذا بالقمة تورث رئيسها للسنة المقبلة، الرئيس السوري، وزر خلافات عربية ـ عربية وتجعله المفارقة فريقاً فيها ضد زعماء عرب آخرين، وفي الوقت نفسه حَكَمَاً بفضل تسلّمه رئاسة قمة لا يستطيع أن يسلّمها في آذار المقبل إلى خلفه بواقعها الحالي.
ثالثتها، أن الإيجابية التي طبعت قمة دمشق استمدتها من ضعفها، إما لغياب زعماء عرب بارزين، أو لمحاذرة الزعماء الحاضرين أو ممثليهم اتخاذ قرارات لن يكون في الإمكان التوصل إليها إلا في ظلّ إجماع عربي. وبسبب هذا الغياب، لم تُغرق الخلافات العربية ـ العربية قمة دمشق في مشادات وسجالات حادة، وتخبّط غالباً ما رافق قمماً عربية أخرى، وخصوصاً في الملفات الثلاثة الأكثر مدعاة للاشتباك والاتهامات المتبادلة بالاضطلاع بأدوار سلبية فيها، بين كل من السعودية ومصر وسوريا، وهي ملفات لبنان وفلسطين والعراق.
رابعتها، أن الترضية التي ترى حكومة السنيورة أنها حازتها من قمة كانت قد قاطعتها ـ ولم تكن تتوقع في غياب لبنان ومصر والسعودية إثارة قضيته بنبرة مرتفعة لأن ليس مَن يدافع عنها في وجه الخصم على المنصة ـ هي تبنّي القمة القرارين اللذين اتخذهما وزراء الخارجية العرب في اجتماعهم التحضيري في 5 آذار. وهما التضامن مع لبنان ودعم المبادرة العربية. ومع أن الوزراء العرب ميّزوا بين القرارين، فإن ما تبلّغه المسؤولون اللبنانيون من الجامعة العربية أن القرارين متلازمان، غير أن الوزراء رغبوا في إيلاء المبادرة العربية أهمية خاصة لانبثاقها من الجامعة وانتزاعها دعم مجلس الجامعة على مستوى القمة. وهم بذلك أدرجوا العلاقات اللبنانية ـ السورية بنداً رابعاً في المبادرة، وجزءاً لا يتجزأ منها، انسجاماً مع المناقشات التي رافقت اجتماع 5 آذار. إذ قارب الوزراء العرب العلاقات اللبنانية ـ السورية على نحو الموقف الذي جهر به السنيورة عشية انعقاد القمة، وهو أنها أضحت مشكلة في ذاتها لم يعد يسعهم تجاهلها والتصرّف بلامبالاة حيالها. أما الجانب غير المرضي من القرارات النهائية للقمة، تقول المصادر الحكومية البارزة، فيكمن في عدم وضع آلية مقاربة موضوع العلاقات اللبنانية ـ السورية. بل لعلّ الأكثر مدعاة للالتباس والقلق أن القمة لم تقدّم ضماناً باستعجال النظر في هذا الملف من خلال ما طالب به رئيس الحكومة اللبنانية، وهو اجتماع وزراء الخارجية العرب لوضع اليد على هذا الملف، ولا قدّمت سوريا بدورها ـ وهي الدولة المضيفة ـ ضماناً باستعدادها للبحث في ملف العلاقات مع لبنان في المستقبل القريب. ورغم ارتياح حكومة السنيورة إلى ما تعدّه «تظهيراً» لملف العلاقات اللبنانية ـ السورية وإخراجه إلى العلن، لم يتعدّ اهتمام القمة به اعتباره أحد عناصر تحرّك موسى في المرحلة المقبلة من ضمن التفويض المعطى له في دعم المبادرة. وما دام يستبعد عودته قريباً إلى بيروت، فإن وضع آلية معالجة الملف الذي تلحّ عليه حكومة السنيورة هو في حكم المستبعد.
خامستها، أن تأكيد دعم المبادرة العربية يستجيب مطلب الغالبية النيابية التي تنظر إليها انطلاقاً من تضمّنها مبدأين هما حكومة الوحدة الوطنية وقانون الانتخاب، حتى إذا صار الاتفاق المبدئي عليهما، ذهبت الموالاة والمعارضة إلى انتخاب قائد الجيش العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية. في موازاتهما، اتخذت العلاقات اللبنانية ـ السورية موقعها كبند مستقل في المبادرة العربية، وإن كان يفتقر إلى مسار وآلية. في هذا السياق، أدرجت المصادر الحكومية البارزة خطاب السنيورة إلى الزعماء العرب على أنه توخّى تأكيد التلازم بين الحلّ الذي تحمله البنود الثلاثة في المبادرة والخوض في العلاقات اللبنانية ـ السورية نظراً إلى انعكاس أحدهما على الآخر. ذلك بأن وضع البنود الثلاثة موضع التنفيذ وانطلاق قطار الحلّ في لبنان لا يجرّد سوريا من تأثيرها وتدخّلها المباشر في الشؤون اللبنانية، وفي مسار هذا الحل إبان وضعه أو في مرحلة لاحقة. لكن التلازم بين المسارين يفضي حكماً إلى ترسيخ الاستقرار في لبنان، كما في علاقته بجارته.