صيدا ــ خالد الغربي
تتمترس السياسة وراء التربية. هذا ما يظهر في مدينة صيدا، حيث الإسقاطات السياسية والتعبوية الفئوية تتخذ تعبيرات وأشكالاً مختلفة، والهدف واحد، ربما يكمن في القول «هكذا نريد»، لدرجة يبدو معها بعض المدارس في المدينة، سواء الرسمية منها أو الخاصة، وكأنه ينتمي إلى «النظام التربوي» في الأنظمة الشمولية التي لا ترى في الديموقراطية وممارسة الحرية إلّا تلك الشعارات التي تمجّد عقيدة الحزب الواحد وتسعى لنشر أفكاره.
في بعض قاعات المدارس وملاعبها تنتشر صور الحريري، الأب والابن، وشعارات سياسية مغلّفة بقفازات من حرير، مثل ضرورة الانتقام من القتلة، والعدالة والحقيقة، وشعار المستقبل واللون الأزرق.
ولم يقتصر أمر بعض المدارس على هذا الحد، إذ أعلنت الشبكة المدرسية لصيدا والجوار، التي أنشئت قبل فترة بمبادرة من النائبة بهية الحريري، وقامت بنشاطات في تفعيل العمل التربوي في المنطقة، عن روزنامة من النشاطات الخاصة بذكرى اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وخصصت حصصاً دراسية تتحدث عن مسيرته وحياته، وحددت زمن ذلك، بما يشبه إدخال مادة تعليمية لمدة أيام، ما يطرح الأسئلة، ولا سيما لجهة المدارس الرسمية ومراعاة أدنى الأصول في العودة إلى الوزارة المختصة للموافقة قبل الإقدام على خطوات كهذه. ثانياً، وإن كان التعاطف مع الحريري وقضية اغتياله أمرين يؤيّدهما معظم اللبنانيين، إلا أن ذلك لا ينفي التعدد في الآراء، وكذلك الانقسام السياسي في لبنان، وإثارة مواضيع مختلف عليها لدى تلامذة مدارس تتعدد التوجهات السياسية والدينية لديهم، قد يؤجّج الصراعات، وقد تتحول المدارس إلى ساحات لما يحدث في الشارع.
وعلى الرغم من نفي العديد من مدراء المدارس المنضوية في الشبكة المدرسية لـ«تسييس» عمل الشبكة، مستدلّين على ذلك بانتماءات سياسية لمدراء مشاركين، مغايرة لتيار الحريري، وأنشطة قامت بها الشبكة في مسائل تربوية ولامنهجية، ووقفات تضامن مع غزة، لم تلتزمها كل مدارس الشبكة، فإن ذلك لا ينفي على الإطلاق أن النشاطات، بما فيها التضامن مع غزة، جاءت من منظار سياسي معين، ووفقاً لهذه الرؤية والتوجهات السياسية الأحادية. كذلك مشهد الجداريات ورسومات طلاب الشبكة المدرسية التي أضفت على جدران صيدا جمالية وحضارية لا يمكن نفيهما، إلا أن الكثير منها بدا منسجماً (كي لا نقول مبرمجاً) وكتعبير عن «كيانية مستجدة» وحرية أحادية الجانب، وغاب بشكل أو بآخر ما يرمز إلى المدينة وزمانها الغابر وبساتينها وليمونها وبحرها ومقاومتها الغزاة.
في مدرسة خاصة تابعة لجمعية عريقة في المدينة، لوحظ التحدث في مناهجها عن «السلام» بمفهوم ملتبس. والمقاومة التي لا ذكر لها إلا بوصفها تخرّب لبنان، راحت المدرّسة تسأل طلابها الذين لم يتجاوزوا خمس سنوات عن رأيهم بالرئيس رفيق الحريري، ليبدأ الطلاب بعقلهم الطري البريء بتوجيه الاتهامات بما يرضي المعلمة وذوقها السياسي. لكن الطفل جاد يعود إلى منزله مصرّاً على عدم الذهاب في اليوم التالي إلى المدرسة: «بابا بدي مدرسة بتحكي عن حسن نصر
الله».
في كتاب التنشئة الوطنية، يتحدث أحد الدروس عن مفاهيم الحرية وإطلاقها لدى التلاميذ، والتعوّد على الديموقراطية. لكن السؤال المبرر والمشروع يكمن في كيفية التنشئة الوطنية مع مناخات ترسم خطاً بيانياً في اتجاه واحد، فتوظّف وتسخّر المنابر المدرسية ولوحات الحائط ومجلات المدرسة للحديث عن شخصية واتجاه واحد، وتحظرالكلام في السياسة في المدارس متى كان الأمر يتعلق بشخصيات وطنية أخرى، وإن لم تكن على مستوى الوطن، فعلى الأقل على مستوى رموز أخرى في المدينة لها عطاءاتها، وجادت حتى بالدماء فداءًللوطن.