غسّان سعود
بمجرّد كتابة اسم عماد مغنيّة على خانة البحث في الإعلام الأجنبي على شبكة الانترنت، تطلّ لائحة طويلة من الروايات التي تستعير من سوبرمان لترسم ملامح رجل استثنائي يكمن سرّ قوتّه في بقائه مجهولاً، حتى تاريخ اغتياله.
بعد تفجير السفارة الأميركية ومقرّ المارينز (عام 1983)، كان ثمن المعلومة عن ابن التسعة عشر عاماً مليوني دولار، ولم يلبث أن قفز الثمن إلى خمسة ملايين دولار بعدما كثرت الادّعاءات التي تربط شبحه بكلّ التفجيرات في العالم. وبعد بضع سنوات (2006) وصل الأميركيون إلى حد دفع 25مليون دولار ثمناً للمعلومة الصائبة عن «الثعلب».
لكن، رغم شحِّ المعلومات، لا يتردد بعض الصحافيين والباحثين الأجانب في الكتابة عن مغنيّة، وتحويله، في مخيلة قرائهم، إلى أسطورة يصعب فكّ أسرارها. فيكتب دان دارلنغ في مجلة الـ weekly standard بتاريخ 25 تموز 2006 أن اسم مغنية قد لا يكون معروفاً بالنسبة لمعظم الأميركيين، «لكن ثقوا أنه محفور في رأس معظم خبراء الأمن الدوليين». ويشير دارلنغ المتخصص بكتابة التقارير عن جبهات القتال إلى مسؤولية مغنية المباشرة عن عملية حزب الله في 12 تموز، كاشفاً أن الاستخبارات الدولية، لم تتمكن بعد خمسة وعشرين عاماً من تحديد دور مغنية الرسمي في حزب الله، مشيراً إلى ضياعها بين تحديد مكانه في رئاسة جناح حزب الله العسكري، ومجلس الجهاديين، ورئاسة قسم المخابرات في الحزب، والمسؤولية عن العمليات الخارجية. قبل أن يختم بالتأكيد أنه مهما كان دور مغنية، فهو حتماً كان في قلب معظم عمليات حزب الله خلال القرن الماضي.
وينشر مركز jane الأميركي للمعلومات العسكرية تقريراً مفصلاً عن مغنية (بعد أحداث 11 أيلول بأربعة أيام) ينقل فيه عن الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية (أمان) الاشتباه في رعاية السلطة العراقية لمنفذي الهجوم على مركزي التجارة في نيويورك والبنتاغون. ومدبرّو العملية، بحسب أمان، كانوا «اثنين من أكثر الإرهابيين دهاء في العالم هما اللبناني عماد مغنية مسؤول العمليات الخاصة حول العالم في حزب الله، والمصري أيمن الظواهري القيادي البارز في تنظيم القاعدة». ولا يتردد بعض الخبراء الاسرائيليين في شؤون «الإرهاب» في القول إنهم يرون «توقيع مغنية وسط دماري نيويورك وواشنطن». ويصف تقرير jane مغنية بأهم الخارجين على القانون في العالم، راوياً أنه كان في 12/ 4/ 1997 على بعد ساعتين فقط من تحقيق أعظم هدف لأي «تنظيم إرهابي» (قبل أحداث نيويورك) وهو تفجير طائرة تابعة للـEl-Al airliner. فوق تل أبيب. لكن اللبناني المتخفي بجواز سفر بريطاني يحمل اسم «أندره جوناثان نيومان» تراجع في اللحظة الأخيرة وأبلغ الاسرائيليين «بهديته التي كان ينقلها من عماد مغنية إليهم». وتشير jane إلى أن خبراء الأمن الاسرائيليين الذين تعقبوا مغنية طويلاً يرددون أن «بن لادن تلميذ مدرسة مقارنة مع مغنية، العبقري، الذي اوصل الإرهاب إلى أعلى المستويات»، والذي «تثبت الدراسات الإسرائيلية والأميركية أنه مضطرب عقلياً، تشجعه الدوافع الثأرية والدينية على المضي في إرهابه، ولم ينفع قتل شقيقيه في ثنيه عن المضي قدماً».
وتتكامل فصول الروايات الغربية، المضخمة ربما، عن دور مغنية، فيكتب بيل روجيو في الـ longwarjournal الأميركية تحت عنوان «عماد مغنية وراء أسر الجنديين الإسرائيليين على الأرجح» عن ضرورة الربط بين عملية حزب الله المتطورة في 12 تموز والصمود اللاحق وإدارة مغنية المباشرة للعمليات. ويرى روجيو في الشخص نفسه حلقة وصل وحيدة وفريدة من نوعها بين حزب الله والاستخبارات الإيرانية من جهة، وإيران وتنظيم القاعدة من جهة أخرى. وإذ يصف بعض الكتاب الغربيين والإسرائيليين مغنية ببن لادن الشيعة، ينشر الباحث الأميركي دايف فرانسيس على أكثر من موقع أميركي وأوروبي دراسة عن مغنية عنوانها «أسامة أو كارلوس اللبناني»، يقول فيها إن الشعب الأميركي ينهمك بالكلام عن بن لادن الذي رغم خطورته لا يفترض أن يسرق الأضواء من إرهابيين آخرين مثل عماد مغنية الذي جعل من طهران مدينة له لفترة طويلة من حياته، قبل أن يبدأ التنقل بين طهران وبغداد وسوريا ومناطق نفوذ حزب الله في لبنان، ويعقد اجتماعات سرية وسريعة مع خلاياه في أكثر من منطقة ألمانية ليوزع «المهام الإرهابية» حول العالم. ويجد فرانسيس في مغنية توأماً لبنانياً لكارلوس، خصوصاً بعد محاولته تفجير الطائرة فوق تل أبيب. وينتهي فرانسيس بالجزم أن مغنية رتّب خطف 4 جنود إسرائيليين، وهو معروف وسط المسؤولين الأمنيين في العالم بـ«ملك الخاطفين» نظراً لنجاحاته في خطف الأجانب، وتشجيعه من بيروت على انتشار ظاهرة الخطف في العالم.
ويقول روبرت باير المسؤول البارز في الـ«سي. أي. إي» والذي لاحق مغنية مطولاً في الشرق الأوسط عن مغنية إنه «أخطر إرهابي سبق أن رآه. وهو الأذكى والأكثر تمتعاً بقدرات اختراقية، حتى مقارنة مع الاستخبارات الروسية. فهو يدخل من باب ويخرج من آخر. يغير سيارته يومياً، ولا يعطي أبداً مواعيد عبر الهاتف، ولا أحد يمكنه أن يتوقعه. هو سيّد الإرهاب، هو الكأس المقدسة (شيء لا يمكن إيجاده أبداً)، نحن نلاحقه منذ عام 1983».
ويدّعي الباحث في وكالة الأسوشييتد برس ماغنوس رانستورب أن مغنية انتقل خلال السنوات الماضية، بعد تأمينه عتاداً عسكرياً ضخماً لحزب الله، إلى توفير قدرات عسكرية نوعية لحركتي حماس والجهاد داخل غزّة والضفّة الغربيّة. ويذكر تقرير صادر عن وزارة الخارجية الأسترالية بتاريخ 24 /5/ 2007 أن حزب الله بإدارة مغنية وفّر التدريب والدعم المادي والمعنوي «للمجموعات الفلسطينية المتطرفة»، وخصوصاً حماس والجهاد، إضافة إلى بعض المجموعات الشيعية في العراق.
ويذكر الخبير العسكري غال لافت في مقالته «أرض حزب الله» في مجلة الـ Commentary. ـــــ عدد نيسان ـــــ أيار 2003 أن مغنيّة اشترى سفينة وكلف نائبه الحاج باسم بتأمين انتقالها من جزيرة كيش الايرانية إلى المقاومة الفلسطينية. ويدعو لافت إلى ضرورة أن يفصل المتابعون بين نصر الله بصفته مسؤولاً عن المؤسسات الإنسانية التي تساعد المواطنين ومغنية المسؤول الحقيقي عن مختلف قدرات حزب الله العسكرية.
تحمل الكثير من هذه المعلومات مبالغات ومغالطات، لكن المؤكد أن اغتيال مغنية لن يكون آخر حلقات أسطورته، إذ يستحق قاتله قابض الملايين الخمسة والعشرين بعض المتابعة.