strong>حسن عليق
لم تنسحب سرعة التحقيقات الأوّلية في أحداث مار مخايل على انطلاقة الملف في خطوته التالية، أي النظر فيه لدى قضاة التحقيق العسكريين. فإثر ادّعاء النيابة العامة العسكرية على 19 عسكرياً و60 مدنياً في الأحداث، أُحيل ملف التحقيق في القضية على قاضي التحقيق العسكري الأول رشيد مزهر، الذي أحاله بدوره على قاضي التحقيق العسكري سميح الحاج. القاضي الحاج، وقبل تسلّمه الملف ليبدأ بالتحقيقات، تقدّم بطلب للتنحّي عن النظر فيه «لاستشعار الحرج». وقبل البحث في أسباب تنحّي الحاج، لا بد من الإشارة إلى أن المادة 51 من قانون أصول المحاكمات الجزائية تنص على أن «يتولى قاضي التحقيق الأول بنفسه التحقيق في القضايا الهامة، ويوزّع القضايا الأخرى على قضاة التحقيق في دائرته». وكانت وكالة الأنباء المركزية قد نقلت، أول من أمس، عن قاضي التحقيق العسكري، عدنان بلبل، قوله إنه «يفترض أن يضطلع قاضي التحقيق الأول بهذه القضية، ولكن لا شيء يُلزمه، ويحق له إحالتها» على قاضٍ من دائرته. بدوره، قال مرجع قضائي إن مزهر لم يتولّ شخصياً التحقيق في أحداث مار مخايل «بسبب ضيق وقته، مع العدد الكبير من القضايا التي يتولى التحقيق فيها».
في المقابل، رأت مصادر مطّلعة على الملف أنه كان على القاضي مزهر أن ينظر في قضية مار مخايل، لأنها من أهم القضايا التي تُحال على دائرته، وخاصة بعد إحالة ملف معارك نهر البارد على المجلس العدلي، وتعيين القاضي غسان عويدات محققاً عدلياً فيها. وأضافت المصادر أن أكثر القضايا التي تسلّمها مزهر، منذ ذلك الوقت، متشابهة لناحية مضمونها (قضايا إرهاب) ولا تزيد أهمية عن أحداث مار مخايل.
أما عن أسباب تنحّي القاضي الحاج، فقالت مصادر قضائية إنه ذكر في طلب التنحّي أن السبب هو استشعار الحرج، وهو ما يجيزه القانون (المادة 52 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، والمادة 122 من قانون أصول المحاكمات المدنية التي تجيز للقاضي «إذا استشعر الحرج من نظر الدعوى لأي سبب، أن يعرض تنحّيه»)، مع الإشارة إلى أن القانون لا يفرض على القاضي ذكر سبب استشعاره الحرج.
وقد أحال قاضي التحقيق العسكري الأول طلب التنحّي على الرئيس الأول الاستئنافي في بيروت القاضي جهاد الوادي. ولأن القانون اللبناني لم ينص على المرجع الناظر في طلبات تنحّي قضاة التحقيق العسكريين، اتَّبع القاضي مزهر القياس في هذا الأمر، لأن مقرّ المحكمة العسكرية الدائمة هو بيروت، ولوجود سابقة واحدة مشابهة في هذا المجال، هي طلب قاضي التحقيق العسكري عدنان بلبل تنحيته عن إحدى القضايا. في المقابل، رأى أحد القضاة المطّلعين على القضية، أن المرجع الصالح للنظر في هذا الطلب هو إما الغرفة السادسة في محكمة التمييز الجزائية (القاضي رالف رياشي) أو محكمة التمييز العسكرية، لأن المحكمة العسكرية غير تابعة لمحاكم بيروت.
وبين الآراء القانونية المختلفة، يبقى أهالي الضحايا والجرحى في انتظار إنصاف القضاء لهم، لعلّ القرارات القضائية تُقنعهم بأن نظام العدالة وحده قادر على إعطاء كل ذي حق حقَّه.