بعلبك ــ عبادة كسر
يختلف الجو داخل كنيسة سيدة المعونات في بعلبك كلياً عما هو خارجها حيث يُجمع الرعايا الذين زاروها أنهم عاشوا ساعات قليلة كأنهم في عالم غير العالم المعتاد


تحولت كنيسة سيدة المعونات إلى ملتقى لمختلف الرعايا والزوّار من عدة طوائف جاؤوا لزيارة معرض «أبونا إلياس مارون غاريوس» رئيس أنطش وكنيسة سيدة المعونات في بعلبك.
وبحسب الزائرة سماح زين الدين فإن «زيارة المعرض انعكست هدوءاً نفسياً استطاع أن يمحو كل رواسب الظروف المعيشية السيئة، واقتلع اليأس من الوضع السياسي الراهن ولو لساعة من الوقت».
انتقده الكثيرون من السياسيين والنافذين والكنيسة أيضاً على تحويله الكنيسة في موسم الأعياد إلى مشهد سياسي، وتساءلوا: ما علاقة الكنيسة بالسياسة؟ يقول الأب الياس: «اعترضوا، لكنني شرحت لهم ما أصبو إليه، وأكملت عملي». ويضيف: «كنت أصلي في إحدى الليالي وفي ذهني أفكار كثيرة عن الوضع الحالي وكان يتراءى لي كيف يفصل السياسيون أنفسهم عن إخوانهم في البشرية حتى يتكرسوا زعماء بالقوة»، وفي قلب التجلي والزهد رأى نوراً أزرق عميقاً وفي داخله كل الزعماء يتراشقون الحجارة. جسّد الرؤية في الكنيسة حتى غدت مسرحاً تخبر فصوله رواية الواقع السياسي اللبناني الراهن وأطماع العرب والغرب فيه.
وبحسب الأب الياس «أصبحت كنيسة سيدة المعونات تبعث اليوم هدوءاً عميقاً وسكينة في نفوس الزوار، كللت بما يقارب 1200 متر من القماش الأزرق بطريقة فنية حتى يسرح النظر في فنائها حيث ازدحام الكواكب الصغيرة المتناحرة».
المسرح الصامت إلا من الموسيقى اللاهوتية يخبر قصة الكواكب التي وجدت السلام من خلال النور الأخضر المنبعث من أعالي الجبال والمنخفضات حتى يقفوا أمام نور آخر يخرج من الجبل، وإذ بهم يلاحظون الطفل يسوع يخرج من الكرة الأرضية ويحمل بيده اليمنى لبنان الأخضر (اللون المفضل لدى المسلمين) وفي الأخرى لبنان الأبيض (اللون المفضل لدى المسيحيين) ويحيط به رجلان، الأول يمثل العالم العربي والثاني الغربي، يدور صراع داخلي بينهما حول السلام المنتظر، وكأنهما في عراك حيث توحي حركة اليدين بذلك، قدّم إليهم الطفل يسوع لبنان رمزاً للسلام، لم يرضيا بذلك، وقررا أن يتقاسماه. يختلف المشهد أمامك لتدخل إلى القرية اللبنانية القديمة. مغارة الميلاد العملاقة أصبحت ريفاً دافئاً بالتعاضد والألفة، ألبست العارضات البلاستيكية الزي القروي، وتراها تتحرك آلياً، فيد الراعي تهش على الغنم، ويد أخرى على الربابة لتسمعك نغمات عزفها، وثالثة تدير الجاروشة لتطحن القمح.
أنجز المعرض خلال 20 يوماً من العمل المتواصل بمشاركة شباب من مختلف الطوائف. يقول علي يوسف: «يذهب الأب الياس يومياً عند المساء إلى برالياس للعمل في مصنع للمنحوتات، وجل ما يحصل عليه يوظّفه لأعماله الفنية داخل الكنيسة».
نطق الحجر والخشب بلغات لوحاته المنحوتة على الجدران الداخلية والخارجية للكنيسة، ويتذكر بأنه هوى النحت منذ الصغر، وكانت أعماله في الطفولة مقدمة لإنجازاته. ففي عام 1987 نحت لوحته العملاقة الأولى، جسّد فيها لبنان ينبض قلبه بالأرزة تحيطها أعلام الدول بأفواه أسود وضباع تنهشه، احتلت زاوية من لوحته صور لنسوة ومواطنين يحملون حفنة من تراب لبنان ويقدمونها إلى زعماء العالم العربي والغربي، ويضيف الأب الياس: «كتبت تحتها، هو سلام العالم من تراب لبنان وحكمة أبنائه بوحدتهم مسلمين ومسيحيين».
الخوري غاريوس دعا الشباب البعلبكي إلى «ثورة الحياة»، وهو يجتمع بهم دورياً لتمتين الأواصر والتأكيد أن «الحياة مشتركة بين الجميع، وأن كل أطياف النسيج اللبناني هم إخوة ولا فرق بينهم».