strong>رضوان مرتضى
«إسرائيل» لا تحاكم ولا تدان، لأن لا عدالة حقيقية في العالم، عدا تلك التي يفرضها القوي على الضعيف. اعتبارات سادت لسنين طويلة، فأمست مسلّمات عند شعوب سئمت انحياز المجتمع الدولي وعجزه عن تطبيق القانون. لذا صار لزاماً على مؤسسات المجتمع المدني أن تأخذ المبادرة وتتقدم لملء الفراغ الناجم عن فشل الدول. فكانت مبادرة «محكمة الضمير الأممية» التي ستعقد في 23،22،21 شباط. في بيت الجمعيات الدولية، بلجيكا.
بدأت فكرة المحكمة أثناء حرب تموز مع د. ليلى غانم، التي طرحت المبادرة في مؤتمر لعلماء الاجتماع، باعتبار أنه يجب على المجتمع الدولي المدني أن يتدخل لوقف الحروب وإبادة الشعوب، وأن يضع حداً للتغطية الشرعية التي توفرها الدول لإسرائيل. يقول د. قاسم عز الدين (منسّق هيئة دعم المبادرة في لبنان) : «الفكرة ليست إقامة دعوى أمام دولة، بل هي إعداد لمحاكمة تحترم أصول المحاكمات الدولية»، لافتاً إلى احتمال مشاركة جمعية صهيونية من بلجيكا للدفاع عن إسرائيل. وذكر أن منسّق المبادرة في بروكسل هو راوول جينار، الخبير في شؤون المنازعات الدولية، وأن القضاة المشاركين يمثلون القارات الخمس، من بينهم القاضي الهندي (Krishna lyer) رئيس المحكمة العليا في الهند، والقاضية البرازيلية (Vanessa Ramos) رئيسة الاتحاد الأميركي للحقوقيين، بالإضافة إلى القاضي المصري هشام البسطويسي ممثلاً أفريقيا.
في ما يختص بالادّعاء، يرى عز الدين أن الدعوى دولية بمشاركة لبنانية (د. محمد طي، د. عصام نعمان، أ. ألبير فرحات، د. حسن الجوني). أما الشهود، فهم ضحايا الحرب في لبنان وفلسطين، والمراسلون الذين غطوا الحرب.
أما في ما يتعلق بالمشاركين، فيرى د. قاسم أنهم من جميع أنحاء العالم، برلمانيين وحقوقيين وأعضاء مجالس شيوخاً وأساتذة جامعات، وناشطين في جمعيات وهيئات دولية.
ويقول د. عزالدين: «إن كل وفد سيحضر المحكمة، سيعقد مؤتمراً صحافياً قبيل مغادرته بلده وآخر عند عودته، يشرح فيه أهداف المحكمة وكيفية تطبيق مقرراتها لكسب التضامن مع القضية». ويشير إلى أن هناك نقلاً تلفزيونياً مباشراً لوقائع المؤتمر، مشيراً إلى أنه حتى لو لم يثيروا هم الإعلام، فإن الإسرائيليين سيعملون على إثارته باتهامهم بمعاداة السامية.
ويُلفت إلى أن الهدف من المبادرة هو خلق جو ملائم لمحاكمة إسرائيل وتصحيح الاعتبار السائد في الثقافة العامة «أن إسرائيل دوماً هي الضحية». ويضيف: «إذا أقنعنا المجتمع الدولي بأن الإسرائيليين مجرمون وليسوا ضحايا، نربح وتخسر إسرائيل»، مشيراً إلى أن هناك اعتماداً على عمل قانوني قام به د.نورمان فلنكستين بشأن الموضوع.
أما عن العقبات، فيرى أنها مادية فقط. ويذكر أنهم محتاطون لما يمكن أن يعترضهم من عقبات، كضغط إسرائيل على بلجيكا لإلغاء المحاكمة.
من الناحية القانونية، يرى د. حسن الجوني (أستاذ القانون في الجامعة اللبنانية) أن محكمة الضمير هي خارج إطار المحاكم المعروفة، سواء تلك التي أسّسها مجلس الأمن أو المحكمة الجنائية الدولية، مشيراً إلى أن هناك جرائم ارتكبها العدو الصهيوني تتناقض مع القانون الدولي العام، ورغم ذلك لم يحاسب، لأن القانون الدولي يأخذ بعين الاعتبار موازين القوى على الصعيد الدولي. ويرى د. حسن أن المشكلة ليست في القانون، بل في الانتهاك الذي تقترفه الولايات المتحدة وإسرائيل للقانون.
يرى د. الجوني أنه لأسباب سياسية، هناك تلكؤ في إقامة دعوى على إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية، مشيراً إلى أن الملف موجود في وزارة الخارجية. ويلخّص سبب مبادرة محكمة الضمير بالتالي: «لأن الإمكانات التي يعطينا إياها القانون الدولي العام مبنية على مصالح الدول، ومصالح الدول مبنية على مصلحة الدولة القوية، ولن تكون لمصلحة الدولة الضعيفة، ولأن العدالة هي عدالة المنتصر على المنهزم، كانت محكمة الضمير».
ويعدد الجرائم الجنائية التي ستحاكم عليها إسرائيل في المحكمة: جريمة الحرب، جريمة ضد الإنسانية، جريمة الإبادة، جريمة الإرهاب، جريمة التعذيب، فضلاً عن انتهاك الأعراف والمواثيق الدولية.
إن محكمة الضمير، بنظر د. الجوني، هي الصوت الآخر الذي سيعيد إلى العدالة مجراها. ويرى أنها ستصبح وثائق تاريخية تستعمل في ما بعد أمام المحاكم المختصة، مشيراً إلى إمكان قطع الشراكة العلمية مع جامعات إسرائيل من جانب أساتذة الجامعات الأوروبية. ومن ناحية أخرى، يقول د. حسن الجوني: «نظراً إلى أهمية القضاة المشاركين، سيكون هناك تأثير كبير على العرف القانوني. فكلمة قاض كبير تعدّ اجتهاداً يعمل به».