نقولا ناصيف
جاء الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى إلى بيروت، الأربعاء (9 كانون الثاني)، متأبطاً خطة برسم التنفيذ، فإذا به يُستَدرج إلى خلافات الموالاة والمعارضة غير القابلتين للحل. وبعدما بدا أن بنود خطة وزراء الخارجية العرب التي أقروها في القاهرة في 6 كانون الثاني هي نفسها التي توافقت الموالاة والمعارضة عليها برعاية فرنسية ـــــ وكان يعوزها غطاء عربي كي تشق طريقها إلى التنفيذ ـــــ أبرزت الجولة المكوكية لموسى أن المشكلة هي غير ذلك تماماً. تنتظر المصالحة السورية ـــــ السعودية، لا العرّاب الآتي كي يطلق حلاً لا يزال مؤجلاً. بذلك ظهر موسى في اليومين الأولين من تحرّكه، واثقاً من نجاح مهمته أكثر من وثوق الأفرقاء اللبنانيين بنجاحه في هذه المهمة، الأمر الذي يحمل مسؤولاً رسمياً على توقع جولة ثانية من المشاورات لموسى تسبق الاجتماع المقبل لوزراء الخارجية العرب في 27 من الشهر الحالي.
ورغم الجهود التي رافقت الخطة العربية، وجعلتها هدفاً في ذاته لوضع حدّ للأزمة الدستورية والسياسية اللبنانية، حاولت المبادرة العربية تقديم حل للعقدة التي تجتمع عليها والمبادرة الفرنسية. كلتاهما، لأسباب مختلفة، أخفقتا في حل العقدة الوزارية في حكومة الوحدة الوطنية: الفرنسيون تفادياً للظهور مظهر المتدخّل في شأن لبناني، والوزراء العرب اعتقاداً منهم بأن المشكلة الرئيسية تكمن في وجود دولة بلا رأس.
وتبعاً لتقويم الدبلوماسية اللبنانية للمبادرتين، فهما التقتا على عدم مساواة قوى 14 آذار بالمعارضة في مقاعد الحكومة الجديدة بسبب سيطرة الأولى على الغالبية النيابية. إلا أن الخطة العربية قدمت مخرجاً متقدماً للخلاف على التوزير بحجب الثلثين والأكثرية المطلقة عن الموالاة والثلث المعطل عن المعارضة. وبحسب الدبلوماسية اللبنانية، لم يضع وزراء الخارجية العرب استحقاق حكومة الوحدة الوطنية في منزلة استحقاق انتخابات الرئاسة، سواء بالنسبة إلى طابع العجلة والإلحاح، أو بالنسبة إلى طبيعة التراتبية الدستورية التي تجعل تأليف الحكومة ينبثق من صلاحيات رئيس الجمهورية وتوقيعه، من غير أن تكون واقعاً دستورياً موازياً. ولم يكن في وسع الوزراء العرب، من خلال مداولات جانبية طرقوها في ما بينهم على هامش الاجتماع التشاوري السبت والاجتماع الرسمي الأحد، تقبّل فكرة استمرار شغور منصب رئيس الدولة، وقد اعتادوا في أنظمتهم التي غالباً ما تتجاوز فاعلية الحكومات، وجود رأس للأمة.
وشأن عدم تقبّلهم قبل أكثر من سنتين فكرة إسقاط الرئيس السابق إميل لحود في الشارع، وقبل أكثر من سنة فكرة إسقاط حكومة الرئيس فؤاد السنيورة في الشارع، نظروا تبعاً للقياس نفسه إلى عدم تقبّل وجود نظام بلا رئيس.
مع ذلك أوحت الساعات التي سبقت انعقاد اجتماع القاهرة بسهولة التوصّل إلى الحل اللبناني، ووضعه موضع التنفيذ، استناداً إلى المعطيات الآتية:
1ـــــ التحضير لانعقاد لقاء مصالحة بين السعودية وسوريا برعاية مصرية يسبق اللقاء التشاوري عشية الاجتماع الرسمي للوزراء العرب الأحد. وكانت الدبلوماسية اللبنانية قد تبلغت انعقاد اللقاء ثلاثياً في منزل موسى قبل أيام من حصوله، قبل أن تتبلغ مجدداً، عشية انعقاده، انضمام عمان إليه لأسباب تتصل بالعلاقة الوثيقة التي تربطها بإيران، وقبل أن ينضم إلى الأربعة رئيس الوزراء القطري حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني. ولم يكن في حساب الدبلوماسية اللبنانية أنها ستدعى إليه.
2ـــــ اعتقد الوسيط القطري، وهو أقرب إلى سوريا منه إلى السعودية، أنه حقق إنجازاً كبيراً واختراقاً أساسياً قبل اجتماع القاهرة بانتزاعه الموافقة الشخصية من الرئيس بشار الأسد على البنود الثلاثة التي أقرها الاجتماع لاحقاً. وتالياً انبثقت الخطة هذه من اجتماع دمشق، رغم أن حمد بن جاسم استوقفته ملاحظة نائب الرئيس السوري فاروق الشرع على البنود، وأخصّها الثاني، متحفظاً عنها. وأسهم هذا الدور في استعجال تحقيق إجماع الوزراء العرب على البيان الختامي.
3ـــــ حمل وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط إلى لقاء السبت مسودة بيان تتمسك بإجراء انتخابات الرئاسة اللبنانية بنداً وحيداً في المرحلة الأولى، على أن يصار لاحقاً إلى اعتماد الآلية الدستورية للخطوات التالية للحل. ومن غير أن يضمّنها إشارة مباشرة إلى سوريا، انتقدت المسودة عرقلة الاستحقاق الرئاسي، وأكدت الإصرار على استقلال لبنان وسيادته. على أن مسار الحوار السوري ـــــ السعودي في هذا اللقاء في بيت موسى، تجاوز المسودة المصرية التي انطوت على نبرة عالية عبّرت عن غضب القاهرة من الوضع القائم في لبنان.
4ـــــ لاحظ الوزير السعودي الأمير سعود الفيصل أمام وزير الخارجية بالوكالة طارق متري أن الموافقة السورية على البنود الثلاثة تلاقيها الرياض بفتحة صغيرة للباب على إعادة تطبيع العلاقات السعودية ـــــ السورية، وأن تنفيذها بدءاً بإجراء انتخابات الرئاسة اللبنانية بلا تدخّل خارجي يتيح فتح الباب واسعاً أمام ذلك التطبيع. بذلك رغبت المملكة في ترجيح وجهة نظرها، المناقضة لوجهة النظر السورية، والقائلة بأن الولوج إلى إعادة علاقات البلدين إلى طبيعتها يبدأ بإخراج لبنان من مأزقه السياسي.
5ـــــ يعتقد وزراء عرب أن ما تلح عليه إيران في المشكلة اللبنانية لا يكمن في اعتراضها على الانتخابات الرئاسية، ولا طرح الشروط في تأليف حكومة الوحدة الوطنية على غرار دمشق، بل في الاطمئنان إلى القائد الجديد للجيش اللبناني في المرحلة التالية لإطلاق الحل السياسي، نظراً إلى ارتباط دور القائد، والجيش واستخباراته العسكرية، بسلاح حزب الله، الشغل الشاغل للجمهورية الإسلامية. لذلك عبّر وزراء عرب في اجتماع القاهرة عن ثقتهم بأن إيران لن تقف عقبة في طريق خطة البنود الثلاثة. مع ذلك، أدخلوا تعديلاً على الخطة بأن أضافوا إليها عبارة «الإقليمية» في معرض تكليف الأمين العام للجامعة العربية إجراء اتصالات لا تقتصر على الدول العربية، والمقصود بها خصوصاً سوريا، بل تشمل دولاً إقليمية، والمقصود بهذه إيران حصراً.