إبراهيم الأمين
في انتظار إعلان فشل المبادرة العربية، يبدو أن في لبنان من يستعد لموجة من التوتر السياسي المرافق لخطوات جديدة من الولايات المتحدة الأميركية ومجلس الأمن الدولي. وهي خطوات تستهدف الضغط على سوريا والمعارضة في لبنان من أجل القبول بصيغة المبادرة وفق تفسيرات سعودية ـ مصرية تعطي فريق 14 آذار القدرة على إدارة البلاد في المرحلة المقبلة، وتزيد من الالتباس حول موقع قائد الجيش العماد ميشال سليمان الذي بدأ يفقد «صفته التوافقية» يوماً بعد يوم، وسط مؤشرات على أزمة ثقة جدية بينه وبين أطراف بارزة في لبنان والمنطقة.
ولفتت مصادر واسعة الاطلاع إلى أن النقاش حول المبادرة العربية لم يعد ذا جدوى بعدما اتضح للجميع أن الفروق في التفسيرات ليست من النوع القابل للاحتواء بفعل مداخلة من هنا أو هناك، وأن الولايات المتحدة ـ مدعومة من مصر والسعودية وفي ظل تراجع فرنسي عن المبادرات الوفاقية ـ سوف تتجه قريباً إلى موجة جديدة من الضغوط على لبنان وسوريا من أجل فرض آلية سياسية للمرحلة المقبلة. وتلفت هذه المصادر إلى أن الأمر بات يتجاوز لعبة الضغوط التقليدية وأن هناك من يوحي بإمكان العودة إلى مناخات سبقت وتلت جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وتحديداً إلى ما رافق صدور القرار 1559.
وكشفت المصادر أن المساعي التي بذلتها جهات عربية للتوفيق بين سوريا والسعودية بغية تسهيل الحل اللبناني تعطلت في وقت مبكر، ولم يكن متوقعاً أن تترافق جولة الرئيس الأميركي جورج بوش مع انفراجات من النوع غير المرغوب فيه أميركياً. وتلفت هذه المصادر إلى أن الحوار الذي جرى بين وزيري خارجية سوريا والسعودية وليد المعلم وسعود الفيصل في الاجتماع الوزاري العربي المصغر في القاهرة دل على الأزمة، وعندما لفت المعلم الفيصل إلى أهمية أن يخرجا من الاجتماع بمناخ توافقي وما لذلك من انعكاس كبير على الوضع اللبناني، كان الوزير السعودي يطالب نظيره السوري بأن يمارس الضغوط على قوى المعارضة في لبنان من أجل القبول بصيغة لا توفر لها الشراكة الحقيقية. ورد المعلم بصراحة كانت مفاجئة لبعض الحاضرين: أنتم تطلبون منا أن نضغط على أصدقاء سوريا من أجل تحقيق مصالح أعداء سوريا في لبنان، وأنتم تطلبون منا الضغط على من وقف إلى جانبنا من أجل تحقيق مطالب الفريق الذي يريد الخراب لبلادنا. ثم إنكم تفترضون أن بمقدورنا أن نفرض على المعارضة اللبنانية ما نريد، وكأنه لا وجود لهذه القوى ولا مصالح لها. وأنتم تعرفون أن هناك صداقة تربطنا بحزب الله، ولكنها ليست من النوع الذي يمكننا من أن نفرض عليه شيئاً لمصلحته، فكيف إذا كان المطلوب منا هو أن نفرض عليه ما هو مخالف لمصلحته، أما العماد ميشال عون فأنتم تعرفون أنه لا وجود لتواصل بيننا وبينه ونحن نقدر له مواقفه ولكن ليس بيننا الحد الادنى من التواصل. وفي المقابل، تعرف يا سموّ الامير أنكم تملكون نفوذاً كبيراً على قوى حليفة لكم في لبنان تدفعون لها المال وهي تقع تحت نفوذكم فلماذا لا تمارسون عليها الضغط من أجل التواصل الى حل حقيقي. عدا عن أن الحل يجب أن يكون واضحاً أنه من أجل منع أحد من الطرفين من الإمساك بالقرار ولهذا ترجمة واحدة هي المثالثة في توزيع الحقائب الوزارية.
وقالت المصادر إن موسى عاد الى بيروت حاملاً التفسير الآخر الذي يناسب مصالح السعودية ومصر ويطابق موقف الاكثرية، فبدت المساعي العربية في غير مكانها وليست في الطريق نحو تحقيق تسوية جدية، بدليل أن الانحياز الى طرف دون الآخر والخضوع الضمني للمطالب الأميركية سوف ينتج رفضاً منطقياً من جانب المعارضة اللبنانية. ولفتت هذه المصادر الى أن الجانب الفرنسي حاول لعبة الترغيب والترهيب مع سوريا، وأن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي وفريقه المباشر في قصر الرئاسة الفرنسية حاول رشوة سوريا بأمور لا يمكن أن تمر. وكشفت أن المغريات الفرنسية تناولت أموراً كثيرة من بينها قيام الرئيس الفرنسي بزيارة الى سوريا والعمل على تطبيع سريع للعلاقات بينها وبين دول الاتحاد الأوروبي والعودة الى نقاش عملاني لمشروع الشراكة الاوروبية ـ السورية، وصولاً الى ملف المحكمة الدولية. ويبدو أن فرنسا تورّطت في هذا الجانب، بما يؤكد البعد السياسي لمشروع المحكمة الدولية، وخصوصاً عندما أخرت باريس دفع ما تعهدت به لأجل تمويل مشروع المحكمة معتبرة ذلك نوعاً من الرسالة الى سوريا وأنها مستعدة لأكثر من ذلك. وعندما قرر ساركوزي التعبير عن غضبه من سوريا لم يجد سوى القول إن بلاده سوف تدفع ما عليها في أقرب وقت، وعمد الى استقبال النائب سعد الحريري بطريقة استعراضية أراد من خلالها القول إنه مستعد للذهاب في المشروع الاميركي للمحكمة نحو إدانة سوريا ومعاقبتها، علماً بأن سوريا كانت قد أبلغت ساركوزي مباشرة ومن خلال مساعديه أنها غير معنية بملف المحكمة ولن تعترف بها ولن تتعامل معها تحت أي ظرف من الظروف وأنها تميّز بين التحقيق الدولي والمحكمة الدولية، وبالتالي فإنه ليس مفيداً وضع الأمر في بازار العلاقات.
أما بشأن الأمور الأخرى فتكشف المصادر أن الرئيس السوري بشار الأسد كان قد أبلغ موفدي الرئيس الفرنسي أن على باريس إظهار حيادها في لبنان وعدم انحيازها الى طرف دون الآخر وأن تحصل على تحييد الدور الاميركي حتى تقدر على النجاح، ولكن ـ تتابع المصادر ـ يبدو أن فرنسا لم تقدر على تحقيق هذا الهدف، بل تورطت في أمور أخرى من النوع الذي أدى عملياً الى فرط المساعي وتوقف الاتصالات، ولما تورط ساركوزي في مواقفه التي أعلنها من القاهرة وجد الرئيس السوري أنه ليس هناك من يريد التوصل الى حل، بل هناك من يريد تحميل سوريا المسؤولية عن العرقلة، فكان أن طلب من الوزير المعلم أن يعقد المؤتمر الصحافي ويقول كل ما لديه وأن يظهر الاستعداد لكشف ما هو مستور في المداولات التي جرت. علماً بأن الفريق المساعد للرئيس الفرنسي لا يزال يواصل اتصالاته ولكن ليس مع سوريا بل مع قيادات لبنانية بارزة في المعارضة. وهو ما يبقي الخط الساخن عاملاً بين كلود غيان والرئيس نبيه بري.