strong> راجانا حميّة
لم تعتد «فلسطين» على الغياب منذ 57 عاماً، تموت في كلّ يوم في بيوتها المحتلّة وفي الشتات، وتناضل وحيدة في صدّ الموت عنها، ولا أحد يكترث. تحاول «فلسطين» أن تبقى... ولكن على قيد الحياة، وخصوصاً في الفترة الأخيرة، التي لم تترك لها مجازر «الإبادة» الإسرائيليّة سبيلاً سوى رفع الصوت عالياً لإنقاذ من بقي. فهناك «فلسطين» المهدّدة وأبناؤها بالضياع، وهنا في الدول العربيّة حكّام نيام لا يكترثون لصراخ الأطفال وأشلاء الشهداء المرميّة في الشوارع وبين المعابر. وأمام هذا الواقع القارس في مأساته، حاول طلّاب الجامعات اللبنانيّة والخاصّة اختراق الصمت والتضامن مع رفاقهم في مقاطعة غزّة، ولو اقتصرت نصرتهم على إيقاف الدروس ساعة من الوقت، واستنكار المجازر التي ترتكبها إسرائيل في غزّة. توقّفت الدروس إذاً، ولكنّ الصوت لم يكن عامّاً، فاقتصر قرار التضامن على ثلاثة فروع كلّياتٍ رسميّة هي: الآداب والعلوم الإنسانيّة، الهندسة والحقوق والعلوم السياسيّة والإداريّة والجامعة اللبنانيّة الدوليّة، بانتظار نتائج اجتماع المنظّمات الشبابيّة والطلّابية، التي صدرت متأخّرة أمس. وكما العادة، كانت الخطوات «على قدّ» قدرات الشباب، استنكرت وأدانت وطالبت، ولكنّها لم تكن لتملك أكثر من ذلك، فجلّ ما تستطيع القيام به اتّخاذ عدّة خطواتٍ تضامنيّة، قد يصل الحدّ الأقصى فيها إلى «محاصرة» عوكر وإحراق العلم الصهيوني، ولن تملك أكثر، وخصوصاً أنّ أنظمتها لم تحرّك ساكناً منذ 1948. ورغم ذلك، حاولت المنظّمات التحرّك وحيدة، كما فلسطين، إذ دعت طلّاب لبنان إلى المشاركة في الاعتصام الرمزي، الواحدة والنصف ظهر اليوم أمام مبنى الإسكوا، استنكاراً للمجازر والحصار بحقّ الشعب الفلسطيني، على أن تليها خطوات تصعيديّة أخرى، قد تصل حدّ «حصار» السفارة الأميركيّة ومراكز القرار الدوليّة في المناطق اللبنانيّة، إذا استمرّت إسرائيل في ارتكاب المجازر. وكانت المنظّمات قد أصدرت بياناً حمّلت فيه «أنظمة البؤس العربيّة الكارثة الإنسانيّة في قطاع غزّة»، داعية إيّاها «إلى إصدار قرار عربي واضح وصريح يرفض تصفية المسألة الفلسطينيّة على هذا النحو الهمجي، لا الاكتفاء بعقد اجتماع طارئ لوزراء الخارجيّة العرب».
أمّا الجامعات التي اقتصرت مشاركتها، أمس، على أربع فقط، فلم تختلف كثيراً عن مواقف المنظّمات الشبابيّة والطلّابية، وإن كان طلّابها قد حاولوا تسليط الضوء أكثر على ما يمكنهم عمله حيال طلّاب غزّة، إذ لفت رئيس مجلس طلّاب الفرع الأوّل في كلّية الآداب والعلوم الإنسانيّة في الجامعة اللبنانيّة عبّاس قطايا إلى «أنّنا بصدد إطلاق حملة تبرّعات، للتنسيق مع بعض الطلّاب في قطاع الضفّة الغربيّة من أجل إيصالها إلى أطفال غزّة، لأنّنا لا نملك سوى هذا السبيل من الدعم». وفي الآداب أيضاً، حمل الطلّاب الأعلام الفلسطينيّة والشعارات المندّدة بالصهاينة ومؤتمرات السلام والتطبيع بين «الحكّام العرب المتخاذلين والمجرمين في الولايات المتّحدة الأميركيّة وإسرائيل»، وندّدوا بالمجازر باسم المنظّمات والأحزاب و«أصحاب الضمير»، للإبقاف الفوري للمجازر الإرهابيّة بحقّ الأطفال في القطاعات المحتلّة، ومطالبة السلطة الفلسطينيّة أيضاً باتّخاذ موقف واضح وصريح تجاه ما يحدث في أراضيها. ولم تقتصر حملة الاستنكارات على الآداب فقط، وانتقلت إلى المجمّع الجامعي في الحدث، حيث أقامت الطلاب في كلّيتي الحقوق والعلوم السياسيّة والإداريّة والهندسة اعتصاماً رمزياً أيضاً، دعوا خلاله إلى تعميم الاعتصامات على جميع فروع الجامعة اللبنانيّة والجامعات الخاصّة.
من جهته، لفت رئيس مجلس طلّاب الفرع الثالث في كلّية الهندسة إلى سلسلة من النشاطات التي قد تقوم بها المجالس في المجمّع، ومنها إضافة إلى الاعتصامات «إضاءة الشموع أمام مساكن الطلّاب وفي الساحات العامّة وتوزيع بيانات مشتركة بين جميع الفروع». وفي الجامعة اللبنانيّة الدوليّة، كان الأمر مشابهاً للباقين، فيما تبدأ اليوم سلسلة اعتصامات في الجامعات التي لم تتحرّك أمس، إذ يعتصم طلّاب الجامعة الإسلاميّة في لبنان من أجل رفع الحصار عن غزّة، الحادية عشرة من قبل ظهر اليوم، يتوجّه بعدها المعتصمون إلى السفارة المصريّة للمطالبة بفتح معبر رفح. وفي الإطار نفسه، تعقد كلّية العلوم ـ الفرع الخامس جمعيّة عموميّة، العاشرة والنصف صباحاً ومعهد العلوم التطبيقيّة ـ الروشة، عند الثانية عشرة والنصف ظهراً.