strong>ديما شريف
تندر اللحظات التي يجتمع فيها العلمانيون والمتدينون في لبنان. الطرف الأول هو الجماعة الإسلامية، والآخر تجمع من ناشطين مستقلين ويساريين يدعمون القضية الفلسطينية على طريقتهم. المشهد أمام السفارة المصرية أمس كان معبِّراً من كل جوانبه. فقد تجمع عدد من ناشطي «الحملة الشعبية للتضامن مع الشعب الفلسطيني» في اعتصام رمزي للمطالبة بفك الحصار عن غزة. ولم يمض وقت، حتى هلّت طلائع من الجماعة الإسلامية التي دعت إلى تحرك مماثل في المكان نفسه. شابّ من الجماعة حاول اقتحام خط القوى الأمنية التي فاقت أعدادها المعتصمين بأشواط، فرده إخوانه وسط ضحك الجميع.
تشارك المعتصمون من الطرفين في البداية الشعارات المنددة بالرئيس المصري وبالتخاذل العربي، ثم افترقوا تفصلهم خطوات، لتتوالى كلمات ممثلي الجماعة. بعض الشبان من «الحملة» انضموا إلى شباب الجماعة مرددين هتافاتهم الدينية المناصرة لفلسطين ليعودوا بعد ذلك إلى رفاقهم وشعاراتهم الخاصة. بعد انتهاء الاعتصام، وأثناء قيام أحد الشيوخ بتلاوة دعاء لنصرة الفلسطينيين طالباً من الله أن يفكك الولايات المتحدة كما فعل مع الاتحاد السوفياتي، ما أدى إلى صيحات استهجان من شبان الحملة. أحدهم اقترح أن يرددوا شعار «يا لينين انصرنا من فلسطين»، لكن الاقتراح لم يلق تجاوباً، رغبة في عدم خلق استفزازات مع الطرف الآخر لينتهي الاعتصام كما بدأ.
وكان الناشطون في الحملة الشعبية للتضامن مع الشعب الفلسطيني قد قرروا الاعتصام استنكاراً لسياسة التجويع المفروضة على الفلسطينيين بمشاركة عربية في الحصار والصمت. المتحدث باسم الحملة عبد الرحمن زعزع رأى أن على مصر القيام بدورين: الأول إنساني عبر إمداد القطاع بالمواد الغذائية والغاز والوقود، ودور سياسي شاجب للسياسات الإسرائيلية. وأضاف: «ليس من المعقول أن تقوم مصر بدور وسيط بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل، وكأن الموضوع يتعلق بمشكلة إسرائيلية داخلية». الحملة التي بدأت قبل يومين تأتي ردة فعل عفوية من الشباب، ويرى زعزع أنه يجب إعطاء الوقت للناس كي يعرفوا بأمر التحركات لتنضم لها.
وأكد على إمكان التنسيق لاحقاً مع القوى الأخرى لتحركات مستقبلية جماهيرية أكبر. وزعزع مؤمن بالقدرة على التأثير: «منّا واقفين ادام الـUN أو سفارة أميركا عم نطلب من يللي بيزود إسرائيل بالسلاح إنو يوقف... هيدي دولة عربية قومية لازم تعمل واجبها».
وتحدث في اعتصام الجماعة الإسلامية رئيس «رابطة الطلاب المسلمين في لبنان» سامي الخطيب، إضافة إلى كلمة لرئيس المكتب السياسي في الجماعة الدكتور علي الشيخ عمار الذي توجه بعد الاعتصام إلى السفارة المصرية حيث سلم القنصل المصري ياسر علوة مذكرة تطالب مصر بفك الحصار عن الفلسطينيين.
وكانت التحركات قد بدأت عند الواحدة والنصف ظهراً في اعتصام دعت إليه المنظمات الشبابية والطلابية أمام مبنى الأسكوا. الوجوه نفسها تكررت، من اعتصامات الجامعة اللبنانية يوم الثلاثاء. فتيات وشبان متشحون بالسواد، وأعلام فلسطينية توزع بالعشرات على المعتصمين، فيما آذان المسؤولين في المنظمة الدولية لا تسمع.
مسؤول قطاع الطلاب والشباب في التنظيم الشعبي الناصري جمال الغربي رأى أن الاعتصام ليس تضامناً مع الشعب الفلسطيني، بل تفاعل مع كل القضية، وتحية إلى غزة المحاصرة. وأضاف أن الشعب العربي كله محاصر مثل غزة. مازن حطيط من الحزب الشيوعي اللبناني رأى أنه رغم محاولة عزل اللبنانيين عن القضايا المطلبية، الاقتصادية والاجتماعية، بالسياسة لا يمكن الابتعاد عن مناصرة القضية الفلسطينية، مشيراً إلى أنه يجب الرجوع إلى البندقية الواحدة، لأن طريق الكفاح هي الوحيدة للتحرير والنصر.
إلى ذلك، نفذ طلاب كلية العلوم في الجامعة اللبنانية في النبطية، اعتصاماً أمس استنكاراً للمجازر التي يرتكبها العدو الإسرائيلي في قطاع غزة في فلسطين المحتلة. وأقيم اعتصام مماثل في كلية الحقوق والعلوم السياسية الفرع الثالث في طرابلس، بدعوة من قطاع الشباب في «تيار المستقبل» رفعت خلاله شعارات نددت بالاحتلال الإسرائيلي. كما عُقد لقاء تشاوري تضامني مع الشعب الفلسطيني في غزة بدعوة من جبهة العمل الإسلامي، حضره العديد من القوى والأحزاب اللبنانية والفلسطينية.
على صعيد التحركات، يقام اليوم عند الساعة 12,00 ظهراً اعتصام في ساحة الأسكوا، بدعوة من الأحزاب والقوى والشخصيات الوطنية اللبنانية بعنوان: «رفضاً للعدوان على غزة واستنكاراً للممارسات الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني».
وبمبادرة من الشباب القومي العربي، وبالتزامن مع أنشطة مماثلة في العديد من الدول العربية، تجري وقفة لإضاءة شموع في مدافن شهداء صبرا وشاتيلا عند الساعة السابعة مساءً.
كما دعا المجلس الوطني للإعلام إلى المشاركة في «اليوم الإعلامي لمساندة غزة» يوم الجمعة المقبل الذي سيعقد في نقابة الصحافة اللبنانية عند الساعة الواحدة بعد الظهر. وأكد رئيس المجلس عبد الهادي محفوظ خلال اجتماع للمجلس «أن الإعلام العربي يجب أن يكون صلة وصل مع الرأي العام الدولي لإيصال المعلومات».
واستغرب إمام مسجد عيسى بن مريم الشيخ حسام العيلاني المحاولة الاستباقية لبعض السياسيين الصيداويين في قطع الطريق على أي تحرك شعبي لبناني ـ فلسطيني في صيدا، ودعا إلى المشاركة في المسيرة التي ستقام يوم الجمعة المقبل في صيدا.
كما دعت «الهيئة الوطنية لدعم الوحدة ورفض الاحتلال» إلى لقاء تضامني عند الساعة الثالثة من بعد ظهر الجمعة في مركز دار بيروت ـ المزرعة.
وفي شارع الحمراء، أمام كافيه كوستا دعت مجموعات شبابية مستقلة إلى مسيرة شموع تحت عنوان «غزة لن تموت» يوم الجمعة عند الساعة الخامسة عصراً.
إلى ذلك، صدرت مواقف مستنكرة للحصار المفروض على غزة لكل من: النائب السابق بهاء الدين عيتاني، تجمع اللجان والروابط الشعبية، منظمة الشباب التقدمي، «رئيس تجمع شباب الغد» في صور إياد علي خليل، «التجمع الوطني لدعم خيار المقاومة»، ورئيس جمعية التوعية الاجتماعية العلامة ياسر إبراهيم.